بسم الله خير الأسماء في الأرض وفي السماء ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم اللقاء
سألت السيدة عائشة رضي الله عنها عن الدعاء الذي كان يردده الرسول عليه الصلاة والسلام دائما فقالت : كان دائم الدعاء ( اللهم يا مقلب القلوب والإبصار ثبت قلبي على دينك )
فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ومن أراد الله به خيرا أحسن خاتمته فمات على طاعة .
فالقلوب بين إقبال وإدبار، والإيمان يزيد وينقص، فإذا خشع قلبك فاسأل الله دوام الخشوع واحمده على هذه النعمة ، وإذا كنت على طاعة فاسأل الله ثبات الطاعة ، فخير الأعمال أدومها وإن قل ، وقليل دائم خير من كثير منقطع ، فإذا أعانك الله على القيام والصيام والذكر والشكر فاسأل الله الثبات لان العبرة ليست في اليوم ولكن العبرة في الساعة التي يأتيك فيها ملك الموت فهل ستكون على نفس هذه الطاعة .
وكثيرا ما يسأل الإنسان ربه دوام الصحة والعافية ودوام الرزق ( اللهم اجعل سعة رزقي عند كبر سني وانقطاع عملي ) والأولى به أن يكثر من سؤال الله عز وجل ثبات الإيمان ودوامه .وذلك لان الأعمال بخواتيمها فإذا قضى الإنسان عمره في طاعة ثم ختم له في آخر عمره بفتنه في دينه فما مضى من عمره لا يحسب له بل يحسب على ما مات عليه .
وذلك ما ذكره لنا حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام إن المرء قد يعمل بعمل أهل الجنة ثم يختم له بعمل يجعله من أهل النار أو أن تكون أعماله من أعمال أهل النار ثم يختم له بعمل يجعله من أهل الجنة ،
ولذلك كان أكثر ما يؤرق الصحابة رضوان الله عليهم أن يأتيهم ملك الموت وهم ليسوا على حال من العبادة والصلاح من الله عز وجل .
وكان همهم الأكبر والأوحد المحافظة على طاعاتهم والثبات عليها بالإخلاص بالنيات في أعمالهم لله عز وجل .
وهذا هو سر بركة أعمارهم وأوقاتهم ، فبركة العمر والوقت إنما تأتي من الثبات على الطاعة والتي هي في الحقيقة أصعب من عمل الطاعة كما أن الثبات على التوبة أصعب من التوبة .
والإنسان لا يعرف ما هو مقدار رحلته العمرية ولذلك يجب أن يتزود بالإيمان والطاعات ما يكفي لكل ذلك، فهل سألت نفسك يوما هل طاقتك الإيمانية تكفيك إلى أن يأتيك ملك الموت ؟ ومن أين يستمد الإنسان هذه الطاقة ويتزود بها ؟
رحلتك أخي الحبيب مع رضا ربك تبدأ بالنوايا فإذا كانت نيتك في جميع أعمالك وخطواتك في هذه الدنيا طاعة الله ورضاه كان لك ما نويت فقد قال عليه الصلاة والسلام ( إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها آو امرأة ينكحها فهو على ما هاجر إليه )
فالبركة تأتي من صلاح النوايا فما هي نيتك في بقائك بهذه الدنيا ؟
ليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود يا غاية المنى
فكل ما فوق التراب تراب
فلتكن نيتك في حياتك ( وعجلت اليك ربي لترضى ) ، ورتب أولوياتك فيها ، واعلم أن هذا هو مفتاح العطاءات الربانية ، وأن لحظة الرحيل هي عنوان سكنك في الآخرة ، وكلما فترت همتك على الطاعة والعمل الصالح أشعلها بتذكر ساعة الموت والرحيل ، واعلم أن وقود الطاعات تذكر الموت ( فالموت يأتي ساعة والقبر صندوق العمل )
فقد قال أحد الصالحين : ذكر الموت إذا فارق قلبي ساعة أفسد علي قلبي
وكان علي رضي الله عنه إذا ما مدح له إنسان قال : انظروا بما يختم له؟ وكم من البشر بكى عليه ؟ وكم مشى في جنازته ؟
وقد قال سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام : ( الموت تحفة المؤمن )
وقضية الموت في حياة المؤمن تشعره بلذة الطاعة وتنتشله من مستنقع التسويف والمعاصي وحب الدنيا ،فكم من إنسان صام معنا رمضان الماضي ولكن لن يستطيع صوم رمضان الآتي لأنه أصبح من أهل القبور، ولا نعلم هل سيبلغنا الله رمضان سنة أخرى أم سنكون في قبورنا فطول الأمل هو سبب تأخير التوبة مع العلم أن الدنيا جبلت على الأكدار والمتاعب ، فالله عز وجل لا يديم حالها علينا حتى لا نركن لها فأولها بكاء وأوسطها عناء وآخرها فناء ، بينما الآخرة أولها جزاء وأوسطها عطاء وآخرها بقاء
اللهم بارك لنا في أيامنا وساعاتنا وسنواتنا وبما تبقى من أعمارنا حتى نلقاك وأنت عنا راضي
وللحديث بقية إن شاء الله