|
مما دلت عليه هذه السورة الكريمة – الزمر – من قضاياها
أن الله جل وعلا ما ابتلى أحداً بذنب أو بلاء أو عقوبة أعظم من قسوة القلب
قال وهب بن منبه – رحمه الله – : (( ما ابتلى الله قوم بشيء أعظم من قسوة قلب ))
قال الله جل وعلا:
{ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }
ومن هنا اختلف العلماء في بيانها نحوياً ولغويا لكن الأظهر كما اختاره الطبري – رحمه الله –
أنها بمعنى ( عن) فيصبح معنى العبارة [ فويل للقاسية قلوبهم عن ذكر الله ]
ومعنى قوله جل شأنه [ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم من ذِكْرِ اللَّهِ]
قال العلماء في بيانها جملةً : إذا كان القلب معرضاً عن الله ملتفتاً إلى غيره فهذا قلبٌ قاسيٍ
وإذا كان القلب مقبلاً على الله معرضاً عن غير الله فهذا هو القلب اللين
وما ابتلى العبد بشيء أعظم من أن يتمثل ويتعلق بالأشباح والصور من دون الرب تبارك وتعالى
ويعرض عن الله يجد أنسه وفرحته في مجالس لا يذكر الله جل وعلا فيها طرفه عين
يجد فرحته وأنسه في مواطن يُعصى الله جل وعلا فيها جهاراً
يجد أنسه ورغبته وحياته في سفر بعيد عن مواطن يرفع فيها الآذان وتقام فيها الصلوات.
أما الذين ألان الله جل وعلا قلوبهم فإنهم وإن قرت أعينهم بعض الشيء ببعض المجالس المباحة
إلا أن أعينهم وقلوبهم لا تقر بشيء أعظم من مواطن يذكر الله جل وعلا فيها
فلما ذكر الله قسوة القلب والله رحيم بعباده أردف جل وعلا قائلاً ببيان أعظم ما يلين القلوب
فقال جل ذكره :
{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ }
فبين جل وعلا أن أعظم ما يلين القلوب هو ذكرالله جل وعلا
وأعظم ذكر للرب تبارك وتعالى تلاوة آياته وتأملها وتدبرها
وهو ما نحن فيه هذه الساعة تقبل الله منا ومنكم صالح أعمالنا.