|
أنا طالبة في مرحلة الثانوية العامة ، وبالنسبة للجميع هذه أهم سنة في الدراسة ؛ لأنها – كما يقال – تحدد مصيرنا , وأنا – والحمد لله – من الصغر رباني أهلي – حفظهم الله – على عدم الغش ، والاعتماد على النفس ، والحمد لله كنت دائما الأولى على صفي وعلى مدرستي إلى أن بدأت المرحلة الثانوية بدأ مستواي في النزول ، مع أني أذاكر أكثر من قبل , أذاكر ما يقارب سبع ساعات ولكن من دون نتيجة ، فكل امتحان اخرج منه بثلاث أو أربع علامات نازلة فيها وزميلاتي في الصف مستواهم أقل مني بكثير ولكن للأسف فهم يغشون في كل امتحان ، ويحصلون على العلامات الكاملة ، وأنا أشعر بالضيق لأنهم لا يذاكرون ويحصلون على ما يريدون ، فكيف لي أن لا أغتاظ ، ودائما ما يقولون لي : لماذا لا تغشين , ماذا يجب أن أفعل ، وكيف لي أن أبث الثقة في نفسي كي أحصل على النسبة التي أريدها .. وهل من نصيحة لمن يغشون في الامتحانات ؟
الجواب :
الحمد لله
لا بد أولا أن تدركي – أختنا السائلة – أن التمسك بالاستقامة والمحافظة على الالتزام خير ما يعيش به المرء ويموت عليه ، فهو العهد الذي أخذه الله عز وجل علينا نحن المسلمين ، وهو النور الذي يؤانسنا في وحشة القبور ، وفي ظلمات المحشر يوم القيامة .
أفليس من الممكن أيضا أن يكون اجتناب الغش – في بيئة تعتاد هذه المعصية وتراها أيسر ما يكون – سببا لدخول الجنة ؟!
أوليست الجنة أقصى ما يتمناه المسلم في حياته وفي مماته ؟!
ثم تخيلي أنك انزلقت فيما يدعوك إليه زميلاتك من الفتيات ، وأنك وقعت في معصية الغش واستمرأها قلبُك ، فما الذي يبقى لك إن حاسبك الله عليها حساب الكبائر والموبقات ، ألست تعلمين أن كثيرا من العلماء ذكر الغش في كبائر الذنوب ، كما فعل العلامة ابن حجر الهيتمي في " الزواجر عن اقتراف الكبائر " (1/393)، وأي وجه يلقى فيه العبد ربه يوم القيامة إذا لقيه محملا بالكبائر ، ومثقلا بالموبقات ، وقد خسر مغفرة الصغائر أيضا ، وخسر أن يكون مع المحسنين ، يقول عز وجل : ( وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى . الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) النجم/31-32.
يقول ابن الجوزي رحمه الله :
" فما زالت تلك النفس الطاهرة … مشغولة بتوطئة رحلها لرحيلها ، فإن صعد حافظاها فالصحيفة نقية ، وإن جاء البلاء فالنفس صابرة تقية ، وإن أقبل الموت وجدها من الغش خلية ، فيا طوبى لها إذا نوديت يوم القيامة : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي ) الفجر/37-30 " انتهى من " المواعظ " (ص/97)
لذلك نوصيك باستشعار عظم المنزلة التي أنت عليها ، واستشعار معية النبي صلى الله عليه وسلم في الدين والعقيدة ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من غشّنا فليس منّا ) رواه مسلم (101)، ومفهوم الحديث أن من لم يغش فهو من النبي صلى الله عليه وسلم ، أي من أتباعه وأحبابه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
كما نوصيك بالثقة بتوفيق الله سبحانه وتعالى ، فهو عز وجل قد أقام السماء والأرض على الحق والعدل ، ولن يستوي عنده المُتَلوِّن المراوغ – الذي يبيع أمانته في أول محنة وأقرب امتحان – مع الثابت على المبادئ ، الصابر على الاستقامة ، الذي لا يرضى أن ينال من الدنيا ما ليس له فيه حق شرعي ، وإنما يرضى بما يقسم الله عز وجل له من حظ ونصيب ، ويسعد بالمستقبل الأكاديمي الذي يتحصل عليه بالطريق المباح ، ولا يغتر بقلة السالكين ولا بكثرة الهالكين ، فالدنيا مليئة بتفاوت الأرزاق والآجال بحق وبغير حق ، فيها الغني الفاجر الذي حقق ثروته في أيام معدودات بالكسب الحرام ، وفيها الفقير الصابر الذي ينصَب ويتعب ولا يكاد يجد قوته وقت عياله ، ولكنه لم يغتر بفساد الفاسدين ، بل رجع إلى نفسه وقنعها بالحكمة والموعظة الحسنة ، واستسلم لقضاء الله ، فهو عز وجل له الحكمة البالغة في شؤون هذا الكون .
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد ، والثبات التام على الاستقامة .
والله أعلم .
المصدر:الإسلام سؤال وجواب