|
شرك الإرادة والإرادة والقصد
قال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود:15، 16].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (من عمل صالحاً التماس الدنيا، صوماً أو صلاة أو تهجداً بالليل لا يعمله إلا لالتماس الدنيا، يقول الله: أوفّيه الذي التمَسَ في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمل التمَاسَ الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين)[1].
وقال ابن القيم: "أما الشرك في الإرادات والنيّات فذلك البحر الذي لا ساحل له وقلّ من ينجو منه، من أراد بعمله غير وجه الله ونوى شيئاً غير التقريب إليه وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته"[2].
وقد سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن معنى قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} فأجاب بما ملخصه: "ذكر عن السلف من أهل العلم فيها أنواع مما يفعله الناس اليوم ولا يعرفون معناه، فمن ذلك العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس ابتغاء وجه الله من صدقة وصلاة وإحسان إلى الناس، وترك ظلم ونحو ذلك مما يفعله الإنسان، أو يتركه خالصاً لله لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة، إنما يريد أن يجازيه الله بحفظ ماله وتنميته، أو حفظ أهله وعياله، أو إدامة النعم عليهم، ولا همّة له في طلب الجنة والهرب من النار، فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا، وليس له في الآخرة نصيب.
النوع الثاني وهو أكبر من الأول وأخوف: وهو أن يعمل أعمالاً صالحة ونيته رياء الناس لا طلب ثواب الآخرة.
النوع الثالث: أن يعمل أعمالاً صالحة يقصد به مالاً، مثل أن يحج لمالٍ يأخذه لا لله، أو يهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، أو يجاهد لأجل المغنم، فقد ذكر أيضاً هذا النوع في تفسير هذه الآية، وهؤلاء أعقل من الذين قبلهم؛ لأنهم عملوا لمصلحة يحصلونها، والذين قبلهم عملوا من أجل المدح والجلالة في أعين الناس، ولا يحصل لهم طائل، والنوع الأول أعقل من هؤلاء، لأنهم عملوا لله وحده لا شريك له، لكن لم يطلبوا منه الخير الكثير الدائم وهو الجنة، ولم يهربوا من الشر العظيم وهو النار.
النوع الرابع: أن يعمل بطاعة الله مخلصاً في ذلك لله وحده لا شريك له لكنه على عمل يكفّره كفراً يخرجه عن الإسلام، مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا الله أو تصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، ومثل كثير من هذه الأمة الذين فيهم كفر أو شرك أكبر يخرجهم من الإسلام بالكلية إذا أطاعوا الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الآخرة، لكنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام وتمنع قبول أعمالهم.
بقي أن يقال: إذا عمل الرجل الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج ابتغاء وجه الله طالباً ثواب الآخرة، ثم بعد ذلك عمل أعمالاً قاصداً بها الدنيا، مثل أن يحج فرضه لله، ثم يحج بعده لأهل الدنيا، فهو لما غلب عليه منهما"[3].
تنبيه هام:
مما ينبغي التأكيد عليه هنا أنه لا بد من التفريق بين شرك الإرادة المستوجب للشرك الأكبر والخلود في النار، وبين الشرك الأصغر المستوجب لحبوط العمل وإن لم يكن مخرجاً من الملة.
والضابط الفارق في ذلك هو النظر إلى النية والباعث على العمل، فمن كان عمله اتباعاً للهوى مطلقاً وإرادة الدنيا أصلاً كان مشركاً شركاً أكبر، ومن كان الباعث له على العمل حب الله وابتغاء رضوانه والدار الآخرة لكن دخل مع ذلك حب الجاه أو نحو ذلك من أسباب الرياء كان مشركاً شركاً أصغر[4].
———–
[1] جامع البيان (7/13).
[2] الجواب الكافي (163).
[3] تيسير العزيز الحميد (536-538) باختصار.
[4] ضوابط التكفير للدكتور عبد الله القرني (128).
(منقوووووووووووووووووول)
جززاك الله خــــــــــير