|
هل يجوز حلق الحواجب وليس نتفها بالموس؟
ياريت على العام
بل حددها النامصة والمتنمصة اى من تزيل ومن تزيل لها ….
واللعن اختى يدل على الطرد من رحمة الله ثم اختى الفتوى اجتهاد يجوز فيه الخلاف والاختلاف لكن كلام الرسول ونواهييه يجب ان تتبع ولا مجال للمناقشه والتحليل فيها والقياس على كلام اصحاب الفتوى من عصرنا هذا لان الحديث الشريف صريح ولا يحتاج الى فتوى !!!! ومن يأخذ بكلام الفتاوى ويتجنب كلام الرسول فقد ضل سواء السبيل …
الزينة ليست محرمة لذاتها ، بل هي مطلوبة من الجنسين ولكن بضوابطها التي لا تخرجها عن حدود الشرع ، فلو خرجت لكانت من المخالفات الشرعية .. فإذا لم تكن الزينة بأمر منكر ثبت تحريمه بالشريعة بأن كانت حلالاً من غير إسرافٍ فلا مانع منها …
تعريف النمص :
فالنمص ، يطلق غالبا على نتف شعر الوجه ، إلا أنه يختص على القصد منه بنتف شعر الحاجب لغلبة فعله .
قال الحافظ في الفتح 10 / 532 : "والمتنمصة التي تطلب النماص ، والنامصة التي تفعله ، والنماص إزالة شعر الوجه بالمنقاش، ويسمى المنقاش مناصاً لذلك ، ويقال إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترقيقهما وتسويتهما ، قال أبو داود في السنن : النامصة التي تنقص الحاجب حتى ترقه . " ا.هـ
ثانياً : حكم النمص :
فإن الأصل في نمص الحاجبين التحريم ، وهو من الكبائر ، فلا يجوز فعله أو الإعانة على فعله بأي وجه كان للخبر . ومن الأدلة التي وردت في تحريم النص ما يلي :
1- قال الله تعالى ـ حكاية عن ابليس ـ { وَلآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِرُنَّ خَلقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللهِ فَقَد خَسِر خُسرَاناً مُّبِيناً } النساء
قلت : ومن تغير خلق الله ، النمص . فالشيطان أخذ على نفسه عهداً بإضلال الناس عن الهدي ومن بين أعماله في ذلك أن يأمرهم بتغيير خلق الله، ومنه النمص ففيه تغيير للخلقة الأصلية ـ وهو تغير ثابت ودائم لغير عذر معتبر شرعاًً ـ لأن الوجه ومنه الحواجب قد خلقه الله جلَّ وعلا في أحسن تقويم ، والنامصة حينما تقوم بعمل النمص فهي بذلك تقع في مصايد الشيطان، ومكايده وتكون من المغيرات خلق الله .
وقد فسر بعض المفسرين بأن المقصود بتغير خلق الله هنا في الآية هو الوشم والنمص والتفليج .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى . مَالِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } . " رواه البخاري . فهذا دليل على أن هذه الأمور هي من تغير خلق الله تعالى .
قال العلامة الشيخ عبدالله بن جبرين عن النمص : " .. فليس فيه جمال، بل تغيير لخلق الله وهو أحسن الخالقين، وقد ورد وعيد في ذلك، ولعن من فعله، وذلك يقتضي التحريم . " ا.هـ فتاوى المرأة 170 .
ومعنى تغير خلق الله على قسمين :
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ : " التجميل ينقسم إلى قسمين :
أحدهما ثابت دائم، مثل: الوشر والوشم، النمص .. فهو محرم بل من كبائر الذنوب لأن النبي لعن فاعله.
الثاني: ما كان على وجه لا يدوم، فإنه لا بأس به مثل التجميل بالكحل والورس لكن بشرط أن لايؤدي هذا إلى محظور شرعاً مثل أن يكون فيه تشبه بالنساء الكافرات، أو أن يكون ذلك من باب التبرج.. فإن هذا يكون محرماً لغيره لا لذاته " ا.هـ زينة المرأة بين الطب والشرع 42 .
قلت : ومن التجمل ، النمص ، وهو محرم لأن من قسم تغير خلق الله الدائم الثابت .
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ : إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ . فَقَالَ : وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ . فَقَالَتْ : لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ . قَالَ : لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ أَمَا قَرَأْتِ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } قَالَتْ : بَلَى . قَالَ : فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ . قَالَتْ : فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ . قَالَ : فَاذْهَبِي فَانْظُرِي فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا . فَقَالَ : لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا . " رواه البخاري
قال ابن قدامة في المغني 1 / 129 : " فهذه الخصال محرمة . لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لعن فاعلها، ولا يجوز لعن فاعل المباح . " ا.هـ
قلت : ومن هذه الخصال ، النمص ، وهو محرم ، بل هو من الكبائر للعن الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقد عرف الإمام الذهبي ـ وغيره ـ الكبيرة بأنها : " كل معصية فيها حدٌّ في الدنيا أو وعيد في الآخرة باللعن أو العذاب ونحوهما . " ا.هـ
وقال ابن حجر رحمه الله ـ عند نهاية شرحه لباب وصل الشعر وفيه من أحاديث النمص ـ : " وفيه هذه الأحاديث حجة لمن قال يحرم الوصل في الشعر والوشم والنمص على الفاعل والمفعلو به ، وهي حجة على من حمل النهي فيه على التنزيه ، لأن دلالة اللعن على التحريم من أقوى الدلالات ، بل عندهم أنه من علامات الكبيرة . " ا.هـ 10 / 532 .
3- للضرر الواقع عند إزالة شعر الحواجب ، يقول الدكتور وهبة أحمد حسن : " .. إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ينشط الحلمات الجلدية، فتتكاثر خلايا الجلد، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة ملحوظة، وإن كنا نلاحظ أن الحواجب الطبيعية تلائم الشعر والجبهة واستدارة الوجه . " ا.هـ المتبرجات للزهراء فاطمة بن عبد الله 94 .
قلت : والضرر بكل أنواعه محرم في الشريعة . فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ. " صحيح ابن ماجه 2341 .
ثالثا : مالذي يدخل في معنى وعلة النمص :
يدخل في معنى النمص ، مطلق الإزالة والتحسين بأي مزيل كان ، سواء كان نقشاً أو نتفاً أو بحف أو بقص أو بتخفيف أو بحلق أو بخيط أو بموس وغير ذلك ، لأن هذا كله يعد من النمص المحرم ، لاتحاد العلة وهي الإزالة و تغيير خلق الله تعالى .
فإن قيل أين دليل هذا التعميم يا أبا تيميه ..
الجواب : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْفِطْرَةُ خَمْسٌ ، الْخِتَانُ ، وَالِاسْتِحْدَادُ ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ . " رواه البخاري
قلت : فإن الإبط ، منصوص على نتفه ، فلو قام بدلا من النتف ـ كحلقه ـ لحصل المطلوب . وذلك لأن الشارع طلب إزالته ، فإن ازالته بأي مزيل هو المطلوب .
قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ : " قوله ( ونتف الإبط ) هو سنة بالإتفاق أيضا ً ، قال النووي : والأفضل فيه النتف إن قوي عليه ، ويحصل أيضاً بالحلق والنورة . وحكى عن يونس بن عبد الأعلى قال : دخلت على الشافعي وعنده المزين يحلق أبطه فقال الشافعي : علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع . " ا.هـ 1 / 122 .
وكذلك ، فإن النمص ، هو النتف ، والشارع منع النتف ـ النمص ـ فلو حصلت الإزالة بأي مزيل ، فهو من النمص .. ، لأن المطلوب هو عدم الإزالة ، والحلق من الإزالة كما أن النتف من الإزالة ، وكلاهما يدخل في النهي لاتحاد العلة ..
وقد نهى الشارع عن النتف ـ النمص ـ لأن هذا هو الغالب من حال النساء عند فاعله في هذه المواضع ، فلو كانت الإزالة بغير النتف ـ سواء إزالة من الجزور أو كتقصيرها بالمقص ونحو ذلك ـ لكان النهي يشمل ذلك ، مع القول بأن هذا ليس هو الغالب على الفعل .
قال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ : " لا يجوز أخذ شعر الحاجبين، ولا التخفيف منهما، لما ثبت عن النبي أنه لعن النامصة والمتنمصة، وقد بيَّن أهل العلم أن أخذ شعر الحاجبين من النمص " ا.هـ فتاوى المرأة:167 .
قلت : قول الشيخ ـ رحمه الله ـ " أن أخذ شعر الحاجبين من النمص " يعم كل ما في مطلق معنى الأخذ والإزالة ـ سواء من أصوال وجزور الشعر أو كتقصيره بالقص ونحو ذلك ـ وقد أشرنا ـ آنفاً ـ مالذي يدخل في معنى وعلة النمص ..
قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : " إزالة الشعر من الحاجبين إن كان بالنتف ، فإنه هو النمص ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة ، وهو من كبائر الذنوب ، وخص المرأة لأنها هي التي تفعله غالبا للتجمل ، وإلا فلو صنعه رجل لكان ملعونا كما تُلعن المرأة والعياذ بالله . وإن كان بغير النتف ، بالقص أو بالحلق فإن بعض أهل العلم يرون أنه كالنتف ، لأنه تغيير لخلق الله ، فلا فرق بين أن يكون نتفا أو يكون قصا أو حلقا ، وهذا أحوط بلا ريب ، فعلى المرء أن يتجنب ذلك سواء كان رجلا أو امرأة . " ا.هـ نقلا عن فتاوى علماء البلد الحرام ص 577
قلت : وهذا هو الراجح كما تبين لك سابقاً من بيان اتحاد العلة ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
قال العلامة الشيخ عبدالله بن جبرين : " لا يجوز القص من شعر الحواجب ، ولا حلقه ولا التخفيف منه، ولا نتفه، ولو رضي الزوج، فليس فيه جمال، بل تغيير لخلق الله وهو أحسن الخالقين، وقد ورد وعيد في ذلك، ولعن من فعله، وذلك يقتضي التحريم . " ا.هـ فتاوى المرأة 170 .
قال اللجنة الدائمة ـ جواباً على سؤال عن النمص ـ : " لا يجوز حلق الحواجب ولا تخفيفها ؛ لأن ذلك هو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعلته أو طلبت فعله ، فالواجب عليك التوبة والاستغفار مما مضى وأن تحذري ذلك في المستقبل . " ا.هـ فتاوي اللجنة الدائمة 5/196 .
ومن الحالات التي تتنزل منزلة الضرورة ما يلي :
أولاً : كأن يكون الأخذ منهما أو من أحدهما ، لضرورة العلاج الذي لا يتم إلا بالأخذ منهما أو من أحدهما :
كأن تضطر المرأة لإزالة شيء من شعر حاجبيها لتنظيف جرح ـ مثلاً ـ أو علاجه فلا بأس بذلك ، وإن أخذت من أحد شعر حاجبيها ، وبقى الحاجب الآخر في وضع غير طبعي لها ، ف‘نها تنظر الى البديل أولاً ـ كأن ترسمه فيترك عدة أسابيع فيخرج طبيعي ـ ، فإن لم تتمكن من ذلك فلها أن تسوي وتحف الحاجب الآخر بحيث يرجع إلى المعتاد ، ويخرج بالتسوية والتحديد من طور التشويه إلى طور الاعتدال . ولا يعد في ذلك من النمص .
مسألة : الحكمة من النهي عن النمص :
فإن سبب التحريم فهو ـ وقد أشار الحديث على ذلك ـ محاولة تغيير خلق الله تعالى، وفي ذلك نوع اعتراض على أمر الله تعالى، وعدم الرضا بما فعل. كما أن في النمص أيضاً غشاً وخداعاً حيث تبدو المرأة للخاطب ـ مثلاً ـ كأنها رقيقة الحاجبين خلقة، وليس الأمر كذلك.
وعلى كل فمن المؤكد أن ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله، إما أن يكون خالياً من الخير مطلقاً وإما أن يكون ما فيه من خير أقل مما فيه من شر ، وقد قال الله تعالى عن الخمر والميسر { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } البقرة 219 .
قلت : فإن وجود المنفعه في الخمر والميسر ـ من ناحية البيع والشراء والربح ـ لم يكن حائلاً بينهما وبين إنزال حكم التحريم عليهما . وبالجملة فسواء علمنا الحكمة من تحريم النمص أم جهلناها، فالواجب علينا هو الامتثال والتسليم وانتفاء الحرج لحكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ..
.
ولا يجوز الإقتداء بمن يفعل ذلك ، فإن الإقتداء لا يكون بمن خالفت الشرع، وإنما القدوة فيمن كانت ملتزمة بالشرع من مثل أمهات المؤمنين ـ رضي الله عنهن ـ ، ومن عاصرهن من الصحابيات الجليلات، وغيرهن من نساء السلف الصالح ومن اهتدى بهديهن في العقيدة والسلوك، فمن وفقت للتمسك بالإلتزام بأحكام الله تعالى ، فعليها أن تكمل باقي الأوامر الشرعية من ترك ما نهى الله عنه ونهى رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك ، النمص .
ولا يجوز طاعة أي مخلوق في ذلك لأنه أمر محرم تحريماً غليظاً لا يجوز الإقدام عليه، ولو كان الزوج يريده إذ " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " .
والمسلم يأخذ بما وافق الكتاب والسنة ولا يقدم عليهما قول أحد كائناً من كان، وليستحضر دائماً قول الله جل وعلا { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } النور : 63 . وقوله أيضاً : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } الحشر 7 .
فمن وضح له النص الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عدل عنه لقول أحد -كائناً من كان- فإنه مشمول بالوعيد في قوله تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } النساء 115 .
وقال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ : " نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول في ثلاثة وثلاثين موضعاً، ثم جعل يتلو: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } وجعل يكررها، ويقول: وما الفتنة؟ الشرك؛ لعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلكه.
وقيل له إن قوماً يدعون الحديث، ويذهبون إلى رأي سفيان! فقال: أعجبُ لقومٍ سمعوا الحديث وعرفوا الإسنادَ وصِحتَه يدعونه ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره! قال الله تعالى: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } وتدري ما الفتنة ؟ الكفر! قال الله تعالى : { والفتنة أكبر من القتل }. فيدعون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي ؟! " ا-هـ الصارم المسلول، لابن تيمية: 56.
فليكن المسلم ـ الذكي ـ قول الله ورسوله هو الحكم ، فيدور معه حيث دار والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
مسألة : حكم من كان تفعل النمص ثم تابت :
الواجب على من تعاطى هذا الفعل فاعلاً أو مفعولاً به أن يتوب إلى الله عز وجل، ومع أن فعلتها كبيره من الكبائر ، إلا أنه إذا تاب من هذا العمل ومن فعلته تاب الله عليه، وإذا مات قبل أن يتوب فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، ولكنه لن يخلد في النار إن مات لا يشرك بالله شيئاً إن كان موحداً .
ويكفر بعينه ـ بعد انتفاء موانع التكفير وتوفر شروطها في شخصه ـ إذا استحل النمص ـ أي قال أن النمص حلالاً ـ أو جحده ـ أي كذب حكم النمص ـ .
وإن من تمام التوبة عدم العودة للمعصية ، وترك حاجبيها على خلقتهما الأصلية، أما إذا نتج تشوه فيهما خارج عن الأصل، وكان شاذا يعد عيبا ـ كما في حالات جواز النمص التي بيناها سابقاً ـ فلها أن تزيل الزائد عن الحد الأصلي ، وأما ان عاد لطبيعته ، فلا يجوز الإقدام على الأخذ منه ، فمن فعلت فإن نصوص تحريم النمص تنزل عليها ولابد .
مسألة : الرد على شبه المخالفين :
بعد النظر في أقوال المخالفين ، تبين وجود شبه ظاهرها قوي ، وتفنيدها أقوى ، وهما كالتالي :
الشبهة الأولى : الصبغ يشبه تغير خلق الله :
مسألة الصبغ في جهة ، ومسألة تغير خلق الله في جهة ، فإن العلماء تكلموا على تغيير خلق الله تعالى وقالوا: إنما ذلك فيما كان باقياً ثابتاً دائماً ، فأما ما لا يكون باقياً كالحناء والكحل والتزين به للنساء، فليس من تغيير خلق الله ، وقد أشرنا سابقاً في بيان أقسام معنى تغير خلق الله .
ثم لو قلنا فرضا ، أن الصبغ تغير خلق الله ، فإن هذا يلزمنا أن نمنع صبغ شعر الرأس ، ونحن نعلم سنية صبغ الشعر ، فهل هذا يعد من تغير خلق الله ، فإن قيل لا ـ ولابد ـ ، فلا يجوز إذا أن نقول أن صبغ ـ وهو كصبغ شعر الرأس عدا الأسود ـ الحواجب فيه تغير خلق الله ، لأن ذلك يلزمنا منع صبغ الشعر ، ولم يقل ـ فيما أعلم ـ بذلك أحد من العلماء ..
فلا شك أن الصبغ من هذا النوع ـ تشقير الحواجب ـ لا يعتبر تغييراً لخلق الله، ولو افترضنا أن صبغ الشعر يدخل في تغيير الخلق ، فهو مستثنى من تغيير خلق الله تعالى مثل : نتف الإبط، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، وغير ذلك مما جاء النص من الشارع بالإذن فيه، بل وفي طلبه .
وبالتالي فإن حجة المنع لأن الصبغ فيه تغير لخلق الله ، حجة ضعيفه لا يلتفت إليها ..
الشبهة الثانية : الصبغ يشبه النمص ويدخل في معناه :
مسألة الصبغ في جهة ، ومسألة النمص وما في معناه في جهة ، فإن الصبغ هو تلوين للشعر فقط ، وأما النمص هو إزالة جزور الشعر أو بقاءها ولكن مع تقصير وقص .. فأين المشابهة في المعنى بين الصبغ والنتف ..
ثم أن نتف الإبط سنة ، ويحصل بالحلق والنورة ، كما أن نتف الحواجب منهي عنه ، ويحصل النهي في كل ما يدخل في معنى مطلق الإزالة ـ إزالة الشعر من الجزور أو تقصيرها قصها ـ لأن المطلوب من نتف الإبط هو الإزالة ، كما أن المنهى عنه في نتف الحواجب هو إزالتها أو تقصيرها ، وبالتالي فإن وضع اللون على شعر الإبط لا يحصل به المقصود ، لأنه لابد من النتف والإزالة .. ووضع اللون إنما يبقى الشعر الذي هو مخاطب بالازالة ، وبالتالي فالصبغ لا يؤثر في الحكم ..
وكذلك ، فإن وضع الصبغ على شعر الحواجب لا يحصل به النتف والإزالة ، وذلك لأن الشعر المخاطب باقي على أصله ، وانما المنهي عنه هو إزالة الشعر ونتفه لا بقاءه وصبغه ـ ولو كان الصبغ من لون البشرة وكصورة النمص ، ولكن هل هو النمص حقيقه !!! ـ وبالتالي وجود الصبغ أو عدم لا يؤثر في الحكم ، وإنما النتف والإزالة هو الذي يؤثر في الحكم .
ثم بعد كل هذا ، أقول : فإن الأصل في الأمور الإباحة ، ولا ينتقل المباح إلى أي حكم تكليفي آخر إلا بدليل يقتضي التحريم أو الكراهة أو الوجوب أو الندب من الكتاب أو السنة . فإن عدم الدليل ، بقي الحكم على الأصل وهو الإباحة .
وعليه ، فإن تشقير ـ الصبغ باللون الأشقر ـ أو تبييض الحواجب ، فالظاهر عندي أنه لا حرج فيه، ولا يدخل لا في معنى النمص ـ الإزالة والنتف ـ ولا في علة النمص ـ تغير خلق الله ـ فلا مانع من تشقير الحواجب
ويمنع التشقير ، عند توفر أحد ثلاث أمور :
أولاً : أن لا يقع ضرر ولا ضرار من وراء الصبغ .
فلو كان التشقير سيؤدي الى ضرر المرآة ـ كحدوث أمراض جلدية ونحو ذلك ـ أو ضرر غيرها ـ كزوجها الذي يمنعها منه ـ فإن التحريم يتعين لعموم الضرر المنهي عنه .
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ. " صحيح ابن ماجه 2341 .
ثانياً : أن لا يكون تدليس على الخاطب .
يحرم فعل التشقير تدليساً على الخاطب ، وذلك عندما يتقدم الرجل للمرأة إذا أراد ، فإذا أراد أن ينظر النظره الشرعية ، قامت بالتشقير لتحسن من منظرها ، فهذا العمل محرم . لأن الخاطب لا بد أن يرى المرأة على هيئتها الطبيعية ، وفي العادة نجد أن الخاطب لا يدقق عند رؤيته المخطوبة لأول مرة، وبالتالي لا يظهر له التشقير ، الذي يراه القريب من المرأة في العادة ، ولاشك أن هذا من الغش ، ومن غشنا فليس منا ..
ثالثاً : أن لا يكون فيه تشبهً بالكفار أو الفساق والفجار .
يحرم التشقير إذا كان فيه تشبه بالكفار أو الفساق والفجار ، لأن الله تعالى نهانا عن التشبه بهم ، فعن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم . " رواه أحمد
ولمعرفة ضوابط التشبه ، يلزمنا بيان بعض الضوابط التي من خلالها نستطيع أن نحكم على الشئ هل هو تشبه بالكفار أو الفساق والفجار أم انه ليس كذلك .. والضوابط هي كالتالي :
أولاً : أن تكون الصبغه شبيهة ، في جنسها ومقدارها ولونها ، بصبغ الكافرات أو الفاجرة وافساق ، التي تختص بهن .
وإن فتح مجلات النساء الكافرات التي تتواجد عن الصالونات النسائية أو الرجالية ، ثم الاختيار منها ، هو من التشبه المزموم .
ولكن على من تريد الصبغ أن تختار ما يجول في فكرها ، من دون أن يلتفت يمنه ولا يسره إلا الفنانه فلانه أو الممثله فلانه .. بل تختار ما يناسب حال بشرتها وجمال وجهها ..
ثانياً : أن تكون الصبغة استعمالها الغالب يدور في صبغات الكفار أو الفساق والفجار .
فإن انتشر الأمر بين النساء والرجال وصار هذه الأمر لا يتميز به ، فإن لون الصبغه وجنسها ومقدارها لا يعد تشبهاً إلا أن يكون محرما من جهة أخرى، كأن يكون صبغة سوداء لشعر الرأس ، ونحو ذلك .
وهناك أمور قد صارت عادة بين النساء والرجال ، فهذه خرجت عن حد الخصوصية بالكفارات وعن التشبه بهن ، إلا إذا صبغ المرأة لون لا تصبغه إلا لأن الكافرات يصبغون هذا اللون ، فعندئذ يدخل هذا في التشبه بالمذموم ..
وبعد ما سبق بيانه من حكم صبغ الحواجب ، وتبين الراجح وهو الإباحة ، ويمنع في حالات معدودة ..
فإن قيل : هل للمرأة أن تمتنع عن التشقير ورعاً لا تحريما ً ؟
الجواب : نعم لاشك ، فما دام أن المسألة صارت موضع شبهة لاختلاف العلماء فيها . فيكون الأولى والأحوط تركها .
ولكن الأخذ به من باب الزينة جائز ـ بالشروط التي ذكرت ـ ، وتركه زيادة في الورع ، قال الخرشي ـ رحمه الله ـ في تعريف الأورع : " إن الأورع هو الذي يترك بعض المباح وأولى بتركه المشتبه، وأما الورع فهو الذي يترك المشتبه خوف الوقوع في الحرام . " ا.هـ شرح مختصر خليل للخرشي 2 / 45 .
ولكن من كان من أهل الاجتهاد عمل بما رآه ، ومن كان من أصحاب الأهلية في الترجيح عمل بما ترجح لديه ، والعامي يقلّد أوثق من يعلمه من علماء بلده أو من وصلت إليه.
——————————————————————————–
يقول الشيخ الدكتور محمد العريفي:
ومن اتباع الهوى .. والشيطان .. تكلف الفتاة في تزيين مظهرها ..
ولو كان في ذلك التعرض للعنة الله .. ومن ذلك نمص الحواجب وترقيقها..
إما بالنتف أو الحلق .. وهو تحقيق لوعيد الشيطان لما قال لربه:
( لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ
وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا *
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا *
أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا *
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ) ..
والنمص تعرض للعنة الله .. فقد صح عند أبي داود وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال :
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة المغيرات لخلق الله ..
سبحان الله .. كيف تفعلين ما يعرضك للعنة الله ..
وأنت تسألين الله المغفرة والرحمة في الصلاة وخارجها ..
أليس هذا تناقضاً بين قولك وفعلك ؟
تطلبين الرحمة وتفعلين ما يطردك منها ..
إن هذا لشيء عجاب !!
وأفتى أهل العلماء الربانيون بتحريمه .. وبين يدي أكثر من عشرين فتوى بتحريمه ..
فمن مقتضى إيمانك بالله .. طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر ..
بل إن النمص من التشبه بالكافرات ومن تشبه بقوم فهو منهم ..
والله يقول يوم القيامة :
( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) .. أي أشباههم ونظراءهم ..
ومن أحب قوماً حشر معهم ..
ولا تقولي كثيرات يفعلن ذلك ..
فكثيرات أيضاً يعبدن الأصنام .. فهل تعبدي
————————————————————————
والله اعلم