بسم الله الرحمن الرحيم
تتعدد الأسباب لراحة القلب وسروره وزوال همومه، وهو المطلب لكل أحد وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج ومن تلك الأسباب أسباب دينية وأسباب طبيعية وأسباب عملية، ويخص المؤمن منها الأسباب الدينية والتي تعتبر روحية وتسانده وتساعده في الحياة ليصل في النهاية إلى بر الأمان.
من أولى الأسباب التي تساعد على السعادة هي الإيمان والعمل الصالح (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فيخبرنا الله سبحانه وتعالى بأن الإيمان والعمل الصالح هو طريق المؤمنين إلى الجنة وإلى السعادة في الدنيا وفي الآخرة، واستغلال الأعمال الصالحة للوصول إلى القلوب والأخلاق والدنيا والآخرة ويعمل المؤمن دائماً على الطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هي ثمراتها.
ويكون الإيمان وحدة هو المقياس في تقبل العمل الخير والعمل الشر في نفس الوقت، فيتقلي المؤمن الخير والشر بالصبر والشر فيحدث له السرور والابتهاج وزوال الهم والغم، والقلق وضيق الصدر وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذا الدار، أما النموذج الثاني فإنه يتقبله باشر وبطر وطغيان فتنحرف أخلاقه، ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع، ومع ذلك فإنه غير مستريح ويكون دائماً الشك في حصولها أو عدم حصولها، وفي النهاية فإنه يتلقي العمل بدون إيمان فإذنه يكون في غاية التعاسة والشقاء من هذا العمل.
وإذا حدثت أسباب الخوف وألمت بالإنسان المزعجات تجد صحيح الإيمان ثابت القلب مطمئن النفس متمكناً من تدبيره وهو عكس فاقد الإيمان تماماً الذي توتر أعصابه وتشتت أفكاره وداخله الخوف والرعب واجتمع عليه الخوف الخارجي والقلق الباطني.
الإحسان إلى الخالق بالقول والفعل وأنواع المعروف من الأسباب الكبيرة التي تزيل الهم والغم والقلق، وكلها أفعال وأعمال المؤمن الذي يؤمن بالله سبحانه وتعالى ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب ويتميز بأنه إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه، فيهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، قال تعالى (لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) وهو ما يجلب الخير ويدفع الشر وأن المؤمن المحتسب عند الله لهو خير وأفضل.
وفي القلق فإن المؤمن يدفعه عن طريق الاشتعال بعمل من الأعمال أو بالعلوم النافعة التي تأتي عليه بالخير وعلى غيره أيضاً فإنها تلهي القلب من التوتر ومن القلق الناشئ عن الأمور الأخرى. وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع، والله أعلم، ومما يدفع به الهم والقلق اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الهم والحزن فالحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها، والهم الذي يحدث الخوف من المستقبل، فيكون العبد ابن يومه، يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء أو ارشد أمته إلى دعاء فهو يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقيق لحصول ما يدعو بحصوله، والتخلي عما كان يدعو لدفعه، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شئ فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح علم الشيطان). فجمع صلى الله عليه وسلم بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال، والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار، وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة، ومشاهدة قضاء الله وقدره.
ويأتي ذكر الله والإكثار منه من الأسباب المؤدية لانشراح الصدر وطمأنينته فيقول الله سبحانه وتعالى (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ) وكذلك التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتها والتحدث عنها يدفع الله به الهم والغم، ويحث العبد على الشكر الذي هو ارفع المراتب وأعلاها حتى ولو كان العبد في حالة الفقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا.
والسير على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم هو من أنجح الطرق إلى السعادة الدنيوية والوصول إلى طريق النجاة في الآخرة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أنظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا غلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)، فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل رآه يفوق قطعاً كثيراً.
والبحث عن السرور وزوال الهم والغم والسعي الدائم إلى البعد عن المكارة التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، وأن ذلك حمق وجنون، فيجاهد قلبه عن التفكير فيها، وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما. ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، ,أصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، وأجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر).
ومن حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة:
1) حق الله تعالى: وهو أحق وأعظمها فهو لله تعالى الخالق العظيم المالك المدبر لجميع الأمور، فلو حجب عنك فضله طرفه عين لهلكت ولو منعك رحمته لحظة لما عشت فإذا كان هذا فضل الله عليك ورحمته بلك فإذن حقه عليك أعظم الحقوق لأنه حق إيجادك وإعدادك وإمدادك أنه لا يريد منك رزقاً ولا إطعاماً.
2) حق رسول الله : وهو حق أعظم حقوق المخلوقين فلا حق لمخلوق أعظم من حق رسول الله وهي منها توقيره واحترامه وتعظيمه التعظيم اللائق به من غير غلو ولا تقصير فتوقيره في حياته توقير سنته وشخصه الكريم وتوقيره بعد مماته توقير سنته وشرعه القويم ومن رأي توثير الصحابة وتعظيمهم للرسول .
3) حقوق الوالدين: فلا ينكر أحد فضل الوالدين على أولادهما فالوالدان سبب وجود الولد ولهما عليه حق كبير فقد ربياه صغيراً وتعبا من أجل راحته وسهر من أجل منامه تحملك أمك في بطنها وتعيش على حساب غذائها وصحتها لمدة تسعة وتمتثل أمرهما في غير معصية الله وفي غير ما فيه ضرر عليك تلين لهما القول وتبسط لهما لوجده وتقوم بخدمتها على الوجه اللائم بهما ولا تتضجر منهما عند الكبر والمرض والضعف ولا تستقل ذلك منهما فإنك سوف تكون بمنزلتهما سوف تكون أبا كما كانا أبوين وسوف تبلغ الكبر عند أولادك.
4) حق الأولاد: وهي أن ينفق عليهم بالمعروف من غير إسراف ولا تقصير لأن ذلك من واجب أولاده عليه، ومن شكر نعمة الله عليه بما أعطاه من المال وكيف يمنعهم المال في حياته ويبخل عليهم به ليجمعه لهم فيأخذونه قهراً بعد مماته.
5) حقوق الأقارب: وهي صلة الرحم والقيام بما وجب عليه اتجاههم.
6) حق الزوجين: المعاشرة الطيبة بينهم وأن يبذل الحق الواجب له بكل سماحه وسهولة من غير تكره لبذله ولا مماطلة، ومن واجبات الزوج أن يقوم بالإنفاق على الطعام والشراب والكسوة والمسكن ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يعدل بينها وبين جارتها (الزوجة الثانية) إن كان له زوجة ثانية وأن يعاملها معاملة حسن.
7) حقوق الولاة والرعية: أن يقوموا بالأمانة التي حملهم الله إياها وألزمهم القيام بها من النصح للرعية والسير بها على النهج القويم الكفيل بمصالح الدنيا والآخرة.
8) حق الجيران: الجار هو القريب منك في المنزل وله حق كبير عليك فإن كان قريباً منك في النسب وهو مسلم فله ثلاث حقوق حق الجحواروحق القرابة وحق الإسلام وإن كان مسلماً وليس بقريب في النسب فله حقان حق الجوار وحق الإسلام وكلك فإن كان قريباً وليس بمسلم فله حقان حق الجوار وحق القرابة، وإن كان بعيداً غير مسلم فله حق واحد وهو حق الجوار.
9) حق المسلمين عموماً: وهي ست أمور فالسلام سنة وهو من أسباب تآلف المسلمين، وإذا دعاك فأجبه، أي إذا دعاك إلى منزله لتناول طعام أو غيره فأجبه والثالث إذا استنصحك فأنصحه، والرابع إذا عطس فحمد الله فشمته، أي قل له يرحمك الله شكراً له على حمده لربه عند العطاس، والخامس إذا مرض فعده وعيادة المريض هي الزيارة والعيادة بحسب حال المريض وبحسب حال المرض، والسادس إذا ما فاتبعه، فإتباع الجنازة من حقوق المسلم على اخيه المسلم،. والسابع هي كف الأذى عنه.
10) حق غير المسلمين: وهم أربع أقسام
– الحربيون ليس لهم علينا حق من حماية أو رعاية.
– المستأمنون: فلهم علينا حق الحماية في الوقت والمكان.
– المعاهدون: فلهم علينا الوفاء بعهدهم على المدة التي جرى الاتفاق عليها.
– الذميون: فهم أكثر هؤلاء الأصناف حقوقاً فيما لهم وعليهم ذلك لأنهم يعيشون في بلاد المسلمين وتحت حمايتهم ورعايتهم بالجزية التي بذلونها.