|
النقطة المضيئة في موضوعنا، أنّ هذا الإكتئاب من الممكن علاجه والشفاء منه إذا ما تمّ اكتشافه والتعامل معه مبكراً.
خطورة الإكتئاب أنّه ليس مجرّد تقلب في المزاج أو رغبة في الوحدة أو التعرّض لنوبات من البكاء، ولكن خطورته تكمن أنّه يؤثِّر سلبياً على شخصية الابن ويجعله في حالة حزن مما يؤثِّر على كل نواحي حياته المختلفة، كما أنّ خطورته الأخرى تكمن في أنّ الصغار ليسوا كالكبار لديهم المقدرة لطلب العون من المختص عند الشعور بالإكتئاب، فأغلب حالات إكتئاب الصغار تسوء نتيجة عدم مقدرتهم على تشخيص حالاتهم، كما أن من حولهم قد لا يولون اهتماماً لمشاعرهم المضطربة، والخطورة الثالثة أنّ الصغار المصابين بالإكتئاب قد لا يبدو عليهم مظاهر الحزن وقد لا ينسحبون من المجتمع حولهم؛ مما يشكل صعوبة في إكتشاف حالتهم.
– أعراض ومؤشرات الإكتئاب عند الصغار:
1- الحزن وعدم الشعور بالأمل في المستقبل.
2- الغضب والتوتر.
3- الإنسحاب من المجتمع والأصدقاء والأقرباء.
4- فقدان الاهتمام بأي نشاط.
5- تغيّر في عادات النوم والأكل.
6- الشعور بالتعب.
7- الشعور بالذنب وعدم تقدير الذات.
8- فقدان الحماس لأي شيء.
9- صعوبة التركيز.
10- الرغبة في الموت.
عند ملاحظة مثل تلك الأعراض علينا مراقبة عدة أمور، منها المدة التي ظهرت فيها تلك الأعراض، ومدى استمراريتها ومقارنة تصرفات الابن بمن هم في مثل عمره، فإذا استمرت هذه الأعراض لمدة زمنية وبدأت تؤثِّر على حياة الابن فهي إشارات للبدء في علاجه.
أعراض الإكتئاب لدى الصغار تختلف عنها لدى الكبار، فمن الملاحظ سرعة غضبهم وتوترهم، وكثرة الشكوى من الصداع وآلام في المعدة دون سبب مرضي، ويكونون حسّاسين جدّاً للنقد.
– أثر الإكتئاب على الأبناء:
الإكتئاب الذي لا يتم التعامل معه بالشكل الصحيح له آثار خطيرة على الأبناء؛ فالإكتئاب يؤدِّي إلى فقدان الطاقة وعدم التركيز؛ مما يؤدِّي إلى انخفاض المستوى الدراسي وعلاقات سيِّئة في المنزل، بل رغبة في البعد عن المنزل والأسرة، وللإكتئاب تأثير على الثقة بالنفس وتقدير الذات؛ فهو يجعل الصغار يشعرون بأنّهم قبيحون وغير مهمين ويشعرون بالفشل وبالخجل، ويبدؤون في الانسحاب من صداقاتهم السابقة، ويمكثون وقتاً أطول أمام شاشات الحاسب الآلي للإتِّصال بالشبكة العنكبوتية؛ مما يزيد العزلة لديهم، وتصبح لهم عادات سيِّئة في تناول الطعام، وقد يصل بهم الأمر إلى إيذاء الذات بعدد من الطرق المختلفة، كجرح الجسم أو حرقه حروقاً بسيطة أو الانخراط في جماعات وشلل غير لائقة أخلاقياً، أو التصرُّف بعنف مع من حوله، وقد يقدمون على الانتحار كحل أخير لما يعانونه ولا يستطيعون التعامل معه.
ومن الضروري جداً ملاحظة كلام ابنك إذا ما بدأ يتحدّث عن الموت أو التحدّث عنه بطريقة فكاهية، وكيف أنّه قد يكون راحة للإنسان، أو بدأ يكتب قصائد وقصصاً موضوعها الرئيس عن الموت، أو إذا ما بدأ يعرض نفسه لعنف جسدي.
– كيف تعالج ابنك من الإكتئاب؟
يجب أن تتّخذ قراراً سريعاً بالعلاج في اللحظة التي تشعر بأنّ صغيرك يعاني من أي عرض من أعراض الإكتئاب، فلا تنتظر على أمل بأن تختفي تلك الأعراض؛ فتأثير الإكتئاب قد يكون مدمراً لحياة ابنك، حتى وإن كانت تلك الأعراض ليست اكتئاباً، فهي مؤشر لمشكلات أخرى تحتاج منك المعالجة، فكلّما أسرعت كان العلاج أفضل.
أنت كأب وهو كإبن لن يكون بقدرتكما تشخيص الحالة وما تحتاجه في هذا الوقت، لكن يجب العرض على طبيب مختص لتشخيص الحالة بالشكل الصحيح ورسم خريطة العلاج المناسبة.
عليك أوّلاً أن تتحدّث مع ابنك، وأن تستمع له حتى تتّخذا القرار معاً؛ مما يساعد في علاجه،
والمعلومات التي تحتاج إعدادها قبل الذهاب للطبيب، هي:
1- الأعراض التي لاحظتها والمدة التي لوحظت فيها.
2- مدى تأثير تلك الأعراض على حياة ابنك.
3- تدوين قرابة أي شخص عانى من الإكتئاب في العائلة.
وعليك أن تعلم أيّها الأب وأيّتها الأُم بأنّ ابنكما يعتمد عليكما في تبني الاختيارات الصحيحة لحياته، فهو أمانة لديكما، فلا تتأخرا في اتّخاذ القرار الصحيح من أجل حياة أفضل له.
– كيف تساعد ابنك أثناء العلاج؟
1- كن متفهماً وصبوراً ولتدرك أن ابنك يعاني، ومن واجبك أن تكون معه أثناء معاناته.
2- شجّعه على تأدية النشاطات الإجتماعية، فالعزلة قد تزيد من سوء حالته، فحاول أن تصطحبه مع أصدقائه في نزهات خارجية، وشجِّع اختلاطه من الغير في الأنشطة الرياضية أو الدورات الثقافية.
3- تابع علاج ابنك، وتأكَّد من اتباعه لكافة تعليمات الطبيب المعالج الخاص به، وإذا كان يتناول عقاقير معيّنة تأكّد من أنّه يتناولها في موعدها المحدّد، وإذا لاحظت أنّ أعراض الإكتئاب بدأت تزداد؛ اتِّصل بالطبيب المعالج على الفور.
4- كأي مرض آخر ممكن أن يصاب به صغيرك، عليك أن تزداد معرفة به عن طريق القراءة سواء الكتب المتخصّصة أو النشرات الخاصة، ناقش مع الطبيب جميع مخاوفك واطلب أجوبة لكل تساؤلاتك، فكلّما أصبحت أكثر معرفة بالإكتئاب أصبحت أكثر مقدرة لمساعدة ابنك، كما شجع ابنك على قراءة المواضيع الخاصة بما يعانيه؛ ليعرف أنّه ليس بمفرده مَن يعاني من تلك الأعراض، وأنّ ما يعانيه قابل للشفاء.
5- ابتعد عن المشعوذين والدجالين الذين يستغلون معاناة صغيرك ليزدادوا ثراء ويزداد ابنك سوءاً، وضع الأمر في أيدٍ مختصة أمينة على حياة صغيرك.
6- طريق علاج ابنك من الإكتئاب قد تجد فيه الكثير من المطبات، فحاول أن تحتفل بالانتصارات الصغيرة، ولكن في الوقت نفسه كن صبوراً إذا ما تراجع العلاج قليلاً إلى الوراء، ولا تقارن حالة ابنك بحالة طفل آخر، فقط قدِّم ما تستطيع أن تقدِّمه، وكن واثقاً من استجابة ربّك لدعواتك.
7- تغيير البيئة من حول الطفل أمر مهم، كأن تدخل بعض التغيير على شكل غرفته، أو مكان دراسته، أو تغيير نمط الأسرة في حياتها اليومية، أو تحسن علاقات بعضها ببعض، أو قد يحتاج صغيرك لأصدقاء جدّد في حياته يكونون مؤثرين تأثيراً إيجابياً عليه.
8- رحلة العلاج الخاصّة بصغيرك قد تستهلك طاقتك وتجعلك تهمل باقي أفراد الأسرة، ولكن ضع دائماً نصب عينيك أنّك لن تستطيع أن تقدِّم له المساعدة المناسبة إلا إذا كنت أنت ذاتك بحالة جيِّدة، وعلاقاتك مع باقي أفراد الأسرة ممتازة والأسرة من حولك متماسكة وقوية؛ لتساعد أحد أفرادها الذي يحتاج إلى عناية خاصة، حاول أن تقوّي الجانب الإيماني داخلك وتحصل على راحة كافية، وتتناول طعاماً صحياً وتمارس أشياء تحبها وتكون منفتحاً مع أسرتك، وناقشها في الأمر ولا تخفي حالة ابنك عنهم محاولاً حمايته؛ فالصغار يشعرون إذا ما حل مكروه بأحد أفراد الأسرة فلا تتركهم لتكهناتهم، بل عرّفهم بما يحدث حولهم، وقدِّم لهم الاهتمام أيضاً، والنقطة المهمة في الموضوع، ألا تلوم نفسك على ما حديث، فالإكتئاب له عدة أسباب قد لا تكون أنت أحدها.
بقلم:* تيسير الزايد