|
يشكّل الكولسترول فرداً من عائلة غذائية هي الدهون الدسمة، والتي ندعوها عامية بالشحوم.
ولكن ما ندعوه شحوم بلغتنا العامية، هي الشحوم التي نراها ونلمسها: الزبدة، دهن اللحوم، الزيوت،… إلخ.
إنّنا نستهلك هذه الأغذية بكمية كبيرة (50-100غ/ يوم، تعتبر كمية شديدة الكبر). ولكن في الحقيقة هذه الأغذية (زبدة، دهون، حلويات دسمة،… إلخ). تحتوي على الكولسترول بكمية ضئيلة جداً. لا نجد الكولسترول إلا في الأغذية ذات الأصل الحيواني. وهكذا نجده غالباً في الأغذية الغنية بالشحوم السيِّئة، أي الأغذية الآتية من الحيوانات البرية والتي تمشي على 4 أرجل: الزبدة، الحليب كامل الدسم، الأجبان، دهن اللحوم. هذا وإننا نستهلك شحوماً أخرى ذات أصل نباتي، بشكل زيوت مستخرجة من حبوب: زيت الكولزا، زيت عباد الشمس، زيت الجوز، الذرة،… إلخ. أو موجودة في الأسماك. هذه الشحوم مفيدة للشرايين.
– ما هي فائدة الكولسترول؟
الكولسترول مادة من دونها لا نستطيع أن نعيش. ومن أجل ذلك فإن كبدنا تصنعها بإستمرار.
إنّها تشكل عنصراً أساسياً في بنية جدار (أو محفظة) خلايانا، حيث تعطيه تجانسه وصلابته، بإختصار من دون الكولسترول يمكن تشبيهنا ببقعة زيت ممزوجة بالماء. هذا وإن الكولسترول ضروري لتصنيع مواد (هرمونات) ضرورية لوظيفة الجسم. ولزيادة من التفصيل فإنّه يشكل نقطة الإنطلاق لتصنيع الفيتامين "د" الضروري لهيكلنا العظمي.
وأخيراً فمن دون الكولسترول لا توجد الصفراء (مفرزات خضراء يتم تصنيعها في الكبد). هذه المادة التي تساعد على الهضم. إنّنا جميعاً بحاجة لتصنيع الكولسترول، ولكن ليس بكثرة. إذن يجب أن نصنع فقط ما نحن بحاجة إليه، لأنّه عندما نصنع أكثر من حاجتنا فالزيادة تتراكم في الجسم. ولكن هذا التراكم لا يحدث في كل مكان من الجسم: إنّه يفضّل الشرايين، حيث يتوضع فيها تدريجياً، ومن ثمّ يسدها. الكولسترول يتوضّع ببطء في شراييننا، ولكنّه لا ييأس، ويتوصل دائماً في النهاية إلى الحصول على ما يريد.
– من أين تأتي الزيادة في الكولسترول؟
على العكس ممّا نعتقده فإن كمية الكولسترول الموجودة في غذائنا قليلة جداً (تقدّر وسطياً بـ1غ/ يوم). إنّ القسم الأكبر من كولسترول جسمنا يتم تصنيعه من قبل كبدنا. والكبد تتأثّر بكمية الشحوم السيئة (الشحوم المشبعة) الموجودة في غذائنا. وهكذا كلّما ازداد إستهلاكنا لهذه الشحوم، ازداد تصنيع الكبد للكولسترول. بالإضافة إلى ذلك فإن الكبد يطرح الزيادة في الكولسترول. ولكن عندما نأكل كثيراً من الشحوم المشبعة فإن هذا الطرح الكبدي للكولسترول يصبح سيِّئاً. إذن من جهة نصنع كثيراً من الكولسترول ومن جهة أخرى طرح الزيادة منه تكون سيِّئة. والنتيجة (وهذا ليس مدهش) فإن معدل الكولسترول يرتفع.
بالإضافة إلى ذلك وبما أنّ هذه الأغذية الغنية بالشحوم السيِّئة تكون غنية بالكولسترول، فإن ذلك يزيد الأمر سوءاً! إذن خلاصة ذلك أنّ الأطعمة الغنية بالكولسترول وبالشحوم السيِّئة هي التي توسخ شراييننا. هل هذا مفهوم؟ هدفنا أن نقول: من أجل تخفيض الكولسترول فإنّه من الضروري قبل كل شيء أن نغيّر عاداتنا الغذائية. ومن جديد نعيد تكرار أنّ الشحوم السيِّئة أو الشحوم المشبعة تتواجد في الأغذية الحاوية على الحليب كامل الدسم، في بعض اللحم الأحمر، في كل الدهون الحيوانية المرئية – ولا سيما شحوم الحيوانات التي تمشي على أربعة أرجل (دهن اللحوم…) – في الحلويات وفي عديد من المآكل المطبوخة والمحضّرة في معلبات. هذا مع العلم أنّه في الحلويات وفي المعلبات فإن هذه الشحوم تكون غير مرئية أو بالأحرى مخبأة وهنا تكمن المشكلة، لأنّكم تجهلون خطورة هذه الأطعمة.
– شحوم أخرى: التريغليسيريد:
شحوم أطعمتنا مركّبة تقريباً بصورة كاملة من التريغليسيريد. ولكن بشكل عام وبالتالي فإنّنا لا نستعمل إلا كلمة الشحوم الجيِّدة أو السيِّئة. تريغلسيريد: كلمة غريبة مؤلفة من "تري" وهي تعني ثلاثة شحوم (ندعوها عادة بالحموض الدسمة) مرتبطة بالـ"غليسير" وهي تعني غليسيرول (مادة عن عائلة السكاكر) أما باقي الكلمة (يِّد) فأضيف لجمال اللفظ. هذه التريغيسيريدات تجري في الدم محمولة على قوافل خاصة وهي تترافق دائماً مع الكولسترول. ولكن ما هي فائدة هذه المواد؟ إنها تعطي الطاقة اللازمة للجسم (حرق الشحوم)، وتشكل خزانات طاقة في حالة عدم دورانها في الدم. وعندما يصبح احتياطي التريغليسيريد كبيراً فهو يبدو للعيان: البطن يبرز وكذلك الجوانب… إلخ! وفي اللغة الطبية فالتريغليسيريد المتراكم يشكّل نسيجاً دهنياً، إذن البطن البارز والجوانب هي عبارة عن نسج دهنية. الحيوانات أيضاً عندها نسج دهنية: كدهن اللحم ودهن الخروف، واللحم غير المنقّى من الدسم. أمّا بالنسبة للنباتات فاحتياطي الدهون موجود في الحبوب، عندما نطحن الحبوب فإنّنا نحصل على الزيوت (الزيتون، الكولزا، عباد الشمس… إلخ) هذه الزيوت مركبة من التريغلسيريد أيضاً.
– الكولسترول الجيِّد والكولسترول السيِّئ:
الكولسترول يدور في الدم وهذا أمر بديهي لكثير منكم. ولكن لماذا يدور؟ لأن كل خلايا جسمنا، هذا يعني كل النسج، بحاجة إليه وباستطاعتها إستعماله للقيام بعملها بشكل جيِّد. وهكذا يمكن اعتبار الكولسترول كمادة إستهلاكية، تستعمل من مختلف أعضاء جسمنا التي تمثل المستهلكين. وهكذا فإنّه يجب نقل الكولسترول إلى مكان الإستهلاك، إنّه كالبضاعة تنقل بواسطة شاحنات إلى المخازن، بينما الكولسترول فإنّه ينقل بواسطة مواد خاصّة تسمى ناقلات الكولسترول إلى الجسم بأكمله. هذه الناقلات خاصّة بالكولسترول: بعضها مختص بنقله إلى العضوية (الذهاب) والآخر مختص بسحبه منها (الإياب). الناقلات المختصة بالذهاب تأخذ الكولسترول من المعمل (الكبد) لتضعه في الأنسجة. بينما الناقلات المختصّة بالإياب فإنّها تنزع الكولسترول من الأنسجة لتعيده إلى المعمل (الكبد). وهكذا كلّما ازدادت الناقلات المختصّة بالإياب، ازدادت نظافة شراييننا (التي هي عبارة عن نسج أيضاً)، وبالتالي فتلوثها بالكلسترول يكون أقل. هذه النواقل تسمى الـ(ldl). وهكذا فإنّه يوجد نوعان من النواقل: الجيِّدة والسيِّئة. والجيِّدة تنظّف الشرايين والسيِّئة تسدها. ولهذا السبب فإنّنا نتكلّم عن الكولسترول الجيِّد (باللغة الطبية إنّه الـhdl) وعن الكولسترول السيِّئ (باللغة الطبية إنّه الـldl كولسترول).
هذا ولتجنّب احتجاج المدققين ومتبنّين اللغة الطبية فإنّه يجب أن نشرح لكم أن ناقلات الكولسترول تدعى الليبوبروتيين (البروتينات الدهنية). أي أن ناقلات الكولسترول هي عبارة عن بروتينات تنقل الشحوم في الدم. لعل إستعمال كلمة ليبوبروتيين (بروتين دهني) تبدو أكثر لباقة من كلمة ناقل. أليس كذلك؟
بقلم:* د. فيليب جيرال
مشكووورة على تووواجدج