|
موضوع حليب الأم ليس جديداً، فالأمهات، كلهن تقريباً، يعين حقيقة أن إرضاعهنّ أطفالهن أفضل لهم من الناحية الصحية. لكن، ليس من الكماليات التذكير بذلك وقت إلى آخر، لاسيما أن بعض الأمهات الشابات يعتقدن أن التحسينات الكثيرة، في السنوات الأخيرة، التي أدخلت على حليب الأطفال المسوق من شأنها تعويض النواقص. وهذا خطأ: يظل حليب الأم الأفضل، ومن دون منازع.
– محتويات متوازنة:
يضم حليب الأم وبشكل متوازن ومناسب لرضيعها، مواد مثل:
* الـ "هيوليات" (أو الـ "بروتيدات")، وهي أجسام تدخل في تركيبة حجيرات الأنسجة الحيوانية بشكل عام (بما فيها الأنسجة العضلية البشرية)، وأيضاً في تركيبة الخلايا النباتية.
وفي حليب الأم، تكون بمقادير ونوعية مناسبة تماماً للطفل.
* الـ "شحميدات" (أو "مطلق المواد الشحمية"، بمعنى آخر الدسم الطبيعي). هنا أيضاً، تكون تركيبتها في حليب الأم هي الأنسب للرضيع.
* "مائيات الفحم" (أو "هيدرات الفحم")، وأهمها الغلوكوز، وهي مواد ضرورية لإمداد الجسم بالطاقة اللازمة للأفعال الحيوية. تتيح تركيبتها في حليب الأم، المكونة من نسب مثالية، تسهيل عمليات الهضم والامتصاص والتمثيل، وخفض احتمال التسبب في أوجاع معوية أو مغص.
* فيتامينات وأملاح معدنية، هي أيضاً بنسب متوازنة.
* أجسام مضادة طبيعية، تعزز نظام المناعة (الحصانة) الطبيعية، ومناسبة بشكل شخصي للرضيع، بما أنها آتية من أمه. وهذا ما يجعل الرضيع الذي يتناول حليب الأم أكثر مقاومة للأمراض من قرينه المربّي على "حليب القواطي" (الحليب المعلب).
إلى ذلك، عدا عن الفوائد الغذائية لحليب الأم، وهي فوائد لا يستهان بها في حد ذاتها، ثمة عامل آخر لا يقل أهمية: يتيح الإرضاع ديمومة تلك الآصرة العضوية بين الأم والطفل، التي لا ينبغي أن تنتهي بقطع الحبل السُّري. فمن شأن الأوقات التي يمضيها الطفل مع أمه أثناء الإرضاع مواصلة "الشحنة العاطفية" اللازمة، التي تنتقل من الأم إلى رضيعها أثناء الرضاعة.
ويجمع علماء النفس التربويون على أن تلك "الشحنة العاطفية" ضرورية لصحة الطفل، وليس فقط صحته النفسية والذهنية والعقلية، إنما حتى صحته البدنية البحتة.
– استعادة الوزن بسرعة:
وأخيراً، هناك فائدة أخرى، لا تنسيها يا سيدتي لأنها تخصك أنت: الإرضاع يعين الأم على فقدان وزنها بسرعة، واستعادة قوامها الطبيعي، بالتالي إزالة آثار الحمل في وقت معقول.
وذلك ينعكس إيجاباً على معنوياتها، ومن ثم يسهم في تربية الطفل في بيئة سليمة. وفقدان الوزن ذلك هو ما أثبتته الملاحظة، ودراسات متعددة أيضاً. ففي بلجيكا، مثلاً، بين عامي 2024 و2006، قامت جامعة "غنت" بدراسة واسعة، شملت أكثر من 800 أم حديثة العهد (من بينهن من ولدن لأول مرة، وأخريات للمرة الثانية أو أكثر).
فتبين من الدراسة أن فترة استعادة الوزن الطبيعي تقل بمعدل 29 في المئة لدى الأمهات اللواتي يرضعن أطفالهنّ، بالقياس إلى أولئك اللواتي يعمدن إلى تغذية أطفالهنّ بالرَّضَّاعة (ما يسمَّى الـ "بيبرون" أو الـ "مَمّة")، أي بالحليب الصناعي.
لتلك الأسباب، تنصح "منظمة الصحة العالمية" بإرضاع الأطفال إرضاعاً طبيعياً، من حليب الأم، حتى سن 6 أشهر على الأقل.
– تكوُّن الحليب:
تبدأ عملية تكون الحليب عند الأم أثناء الحمل، جراء تأثير عدد من الهرمونات، هي التي تعطي إشارة إلى الجسم لكي يبدأ بتكوين الحليب. والهرمون الأساسي، في هذه العملية، هو هرمون "پرولاكتين"، الذي تفرزه غدة ضئيلة، في أسفل الدماغ. وفي البداية، عقب الإنجاب، تنتج الغدد الثديية مادة "اللبأ" (أي أول اللبن، الذي يأتي بعد الوضع). هذه المادة، ذات اللون المائل إلى الأصفر البرتقالي، غنية بالفيتامينات والمعادن ومكونات الحصانة الطبيعية (بالتالي تقوي مناعة الوليد الجديد ضد الأمراض). لكن، عقب 3 إلى 5 أيام من الولادة، يتوقف إنتاج اللبأ، ويبدأ إنتاج الحليب في حد ذاته. إلا أن وتيرة إنتاجه لا تستقر سوى بعد مضي 10 أيام إلى 15 يوماً من الإنجاب.
وهنا تدخل العوامل النفسية الخاصة بالأم: فكلما زادت ثقتها بنفسها، وعظم استعدادها للتفاني من أجل رضيعها، وتحمل منغصات الإرضاع، كلما كانت نوعية لبنها أفضل، وأكثر وفرة. فالجانب المعنوي بالغ الأهمية. في الماضي، كانت غريزة الأمومة كفيلة بجعل تلك التضحية، من جانب الأم، تبدو شيئاً في غاية البساطة. لكن، في المجتمعات الحالية، قد تجد الأم الشابة، لا سيما التي تلد طفلها البكر، بعض الصعوبات في تقبل ما ينطوي عليه الإرضاع من قيود. وفي هذا الشأن، يلعب المحيط دوراً كبيراً أيضاً، ينصب على إفهام الأم ودعمها والأخذ بيدها.
والمحيط يتمثل بأسرة النفَساء، طبعاً بدءاً بزوجها وأهلها، وأيضاً الوسط الطبي في العيادة، والممرضات، والقابلة المأذونة. إذ يتعين عليهنّ، هن أيضاً، الأخذ بيد الأم ورعايتها، وإعانتها، ما ينعكس على معنوياتها، بالتالي على نوعية الحليب.
فالإرضاع أمر طبيعي، لكنه يتطلب بعض الجهد من جانب الأم، وقسطاً من الصبر.
كما يجدر التذكير بأن الإرضاع، في الأيام الأولى، لا يخضع لوتيرة معينة، كأن تعمد الأم إلى إرضاع وليدها الجديد كل كذا ساعة.
إذ يظل الإرضاع "على الطلب" أفضل وتيرة ممكنة، مع ما ينطوي عليه من بعض الإزعاجات، إذ لا يتيح تنظيم أوقات النهار. لكنه يظل الأحسن للرضيع، إذ يتكيف مع وضعه ورغبته، ويلبي حاجته في الوقت المناسب.
– نصائح:
تنصح الأم بأن تكون منشرحة ومسترخية أثناء الرضاعة، وأن تتخذ وضعية جلوس مريحة، لا تجعلها تحس بأي إعاقة أو إنهاك.
كما ينبغي اتباع الشروط الصحية الاعتيادية (مثل غسل اليدين بانتظام، والمحافظة على نظافة الثديين وجفافهما بين كل عمليتي إرضاع، باستخدام كمادات خاصة لتلك الغاية).
– مشاكل الإرضاع:
قد تنجم بعض المشاكل بسبب إرضاع الطفل. ومنها، على سبيل المثال، ظهور شقوق (تفلُّق) على الثديين في حال عدم رضع الطفل بصورة جيّدة وكاملة (لاسيما إذا لم يكن في وضعية مناسبة أثناء الرضاعة). ومن الهين مكافحة مثل تلك الشقوق بواسطة مرهم (كريم) خاص، يباع في الصيدليات لتلك الغاية، يحسن وضعه عقب كل عملية إرضاع.
وثمة تقنيات حديثة، مثلاً وضع "حملات اصطناعية"، من السيليكون، لتفادي التشقق. لكنها أثبتت عدم فاعليتها، لاسيما أنها تؤدي إلى إطالة مدة الإرضاع.
لذا لا ينصح باستخدامها إلا إذا كان التشقق مؤلماً فعلاً. وهناك أيضاً مشكلة التحجر، الناجمة عن احتقان الحليب في الصدر. لتفادي تلك الحالة، ينبغي على الأم أن تجعل رضيعها ينهي الحليب في كل عملية إرضاع. وفي حالة عدم التوصل إلى ذلك، ينصح باستخدام الدش، وصب ماء دافئ، على الصدر بضع دقائق، مع الحرص على تدليكه بهدوء. ما يؤدي إلى الشعور بالارتياح، وخفض الألم الناجم عن التحجر.
– تغذية الأم:
بالنسبة إلى الأم، يستلزم إرضاع وليدها استهلاك طاقة إضافية من زهاء 500 سعرة حرارية يومياً، ينبغي أخذها في عين الاعتبار في النظام الغذائي اليومي.
كما يجب زيادة البروتينات والكالسيوم، فضلاً طبعاً عن الإكثار من الأغذية الغنية بالفيتامينات والأملاح المعدنية.
وبطبيعة الحال، يجب على الأم المرضع أن تمتنع امتناعاً باتاً عن المواد المضرة، المحتوية على سموم (مثل السجائر والكحول).
وفي شأن الأدوية، يجب عدم تناولها سوى باستشارة الطبيب، الذي يقرر أي دواء يمكن أن تأخذه الأم المرضع، وأي دواء عليها الابتعاد عنه طيلة فترة الإرضاع.
– الفطام:
ينبغي فطم الرضيع تدريجياً. فمثلاً يمكنك، بادئ ذي بدء، الاستعاضة عن الحليب الطبيعي من خلال استخدام حليب اصطناعي بالرّضّاعة (الـ "بيبرون"، أو الـ "مَمّة") في عملية تغذية من كل عمليتين اثنتين، وإبقاء الوجبة الأخرى قائمة على الإرضاع الطبيعي، ثم خفض الإرضاع تدريجياً، إلى أن يصل الأمر إلى إرضاع طفلك مرة في الصباح ومرة في المساء، والباقي كله بالحليب الاصطناعي. في بعض الحالات، حالما يكتشف الرضيع الحلمة البلاستيكية الاصطناعية، يميل إلى تفضيلها، ويعود غير راغب برضاعة الأم. في هذه الحالة، يكون الفطام أسهل بكثير، بما أن الطفل نفسه يفضله. وعلى العكس، ثمة رُضّع لا يعتادون البلاستيك بسرعة. في هذه الحال، تحلَّي بالصبر، وحاولي بضع مرات.
* إعداد: محمد عبود السعدي
يعطيج العافيه
العفوو .. والله يعاافيج على تووواجدج
يعطيج العافية
يزااااااااااااااااج الله خير حبووبة