|
[frame="6 10"]
ولكن سر البلاء للنبيين والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين هو لرفعة المقدار وزيادة المقام وأقلهم شأناً لزيادة الأجر والثواب وأضعفهم حالاً تطهيره من الذنوب التي تستوجب العقاب ، فإذا كان ضعيفاً ولا يستطيع منع نفسه من الذنوب فإن ، يبتليه ليطهره من هذه الذنوب ،
إذاً فهو ليس إختبار وذلك لكي تعرفوا الفارق بين الاثنين ولا تعمموا كلام حضرة الله ، وإذا كان ضعيف في العبادة لله فإن الله يبتليه ليزيد له الأجر والثواب ، وإذا كانت عنده مطامح للدرجات العالية والمقامات الراقية وليس له همة تواتيه وتوافقه على بلوغ هذه المقامات والدرجات فإن الله يبتليه ليرفعه بها إلى هذه الدرجات وهذه المقامات ولذلك يبين الله لخليله سر ابتلاءه له {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} البقرة124
ما هذه الكلمات؟ إن فيها أقاويل كثيرة لأئمة التفسير وللعلماء العاملين وللأولياء والصالحين ، لكنها وفي جملتها بلاء في نفسه وبلاء في قلبه وبلاء في أهله وبلاء في ولده وبلاء في ماله وقد حددها الله وبينها، فيم ستبلونا يا رب؟ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} البقرة155
قال له : وبشر الصابرين وذلك لأنهم ليس معك في المنزلة ، وما حال الراضين؟ إنهم معك ولا يحتاجون للبشارة لأنهم بلغوا المراد {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم} النساء69
فهل من يركبون الطائرة معاً عند عودتهم من الحج يهنئون بعضهم بسلامة الوصول وقبول الحج ؟ لا، لكن من يستقبلونهم هم الذين يهنئون {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }النساء69
فقال له ربه: يا إبراهيم أتدرى لم سميتك خليلاً؟ أي لماذا أخذت هذه الرتبة؟ {وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} النساء125
قال: لا يا رب؟ قال: "لأنك جعلت بدنك للنيران ، ومالك للضيفان ، وقلبك للرحمن ، وولدك للقربان" فمن يريد الخلة عليه أن يكون جاهزاً لمثل لهذه الأمور لكي يصبح خليلاً لله ولذلك فإن ربنا ينصحنا ويقول {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} البقرة125
أين مقام إبراهيم؟ هل هو ذلك الحجر الذي هناك؟ إنه موضع أقدام الخليل ولكن مقامه هو مقام الخلة ، واتخذوه مصلى أي عليكم أن تحاولوا الوصول إليه ورتبوا أنفسكم وجهزوا أرواحكم أن تعملوا وتفعلوا لتنالوا مقام الخلة لأنه هو المقام العظيم عند العظيم عز وجل ، ومقام الخلة علاماته وبشاراته {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} الأنعام75
إذا فهو ليس وحده في الفصل ، لأنه كما أشارت الآية فإن الموقنين كثير ، فأول واحد في الكشف هو سيدنا إبراهيم ، لكن الكشف يحوي كثير غيره ، وهم الموقنون وأهل اليقين ، الذين اعدوا للبلاء الرضا عن الله في كل وقت وحين ، وجهزوا لحضرته الرضا من أنفسهم ، فلا يتغير حالهم ولا يتوتر شأنهم ولا ترهق نفوسهم ولا يتعكر مزاجهم ولا يروح ويجئ فكرهم ، لأنهم على يقين أن محبوبهم إذا ابتلاهم فإنما ليجتبيهم ويصطفيهم ، ويبلغهم مقام عظيم عنده ولا شيء غير ذلك ، لأننا خرجنا من دائرة الإختبار بفضل الله ولأننا من الأطهار والأخيار
وبذلك قد وضحنا البلاء وبيناه بالنسبة لأنبياء الله ورسل الله والصالحين من عباد الله أجمعين في هذه الدنيا ، وقد يقول واحد منا لماذا لا يعطينا الله هذه المقامات العالية وهي مقامات الإجتباء والاصطفاء بدون بلاء؟ لأن الله آل على نفسه العدل وحرم على نفسه الظلم {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} فصلت46
وحتى يكشف الله لجميع أهل الموقف أن هؤلاء ما أخذوا إلا ما يستحقونه ، ودس الله في خفية عن العيون مدد لطفه ومعونته وتوفيقه للأتقياء الأنقياء ، فقبل أن ينزل لهم أو عليهم البلاء ينزل عليهم مدد اللطف والمعونة من السماء حتى إذا نزل البلاء كانوا جاهزين لتحمل الأمر والرضا عن الله ، فسبحان من انزل البلاء وأعان عليه ، ثم يثيب ويرفع الذكر والأجر عليه وهذا توفيق من الله وبالله وإليه لعباد الله المؤمنين
لكن الله لو انزل علينا ذرة واحدة من البلاء بدون لطف ومعونة من السماء هل يستطيع الواحد منا أن يتحمل شكة إبرة؟ لا والله ، لكنه ينزل جند لطفه ومعونته وتوفيقه ثم ينزل البلاء ليزيد الأجر والثواب أو يخفف الذنوب ويستر العيوب أو يرفع المقام ويجعل هذا الإنسان من عباد الله الصالحين الذين استحقوا الدرجة العظيمة عند رب العالمين
منقول من كتاب {كيف يحبك الله}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً
[/frame]