|
في ضوء الحكمة العامة للتشريع الإسلامي، وهي ربط المخلوق بالخالق سبحانه وتعالى، وإعداد الإنسان لتحقيق خلافته في الأرض، يأتي فرضية الصيام لحكم جليلة وأهداف نبيلة منها :
1 – الصيام فيه تقديم رضا الله على النفس، وتضحية بالامتناع عن الطعام والشراب والشهوة ، وذلك ابتغاء وجه الله وحده، الذي لا يتقرب لغيره من الناس بمثل هذا الأسلوب من القربات، ومن هنا كان ثوابه عظيمًا، يوضحه قول النبي
2 ـ وفي الصوم إحساس بمقدار نعمة الطعام والشراب والمتعة الجنسية عندما يحرم الإنسان نفسه منها فيكون شكره عليها بالإطعام المتمثل في كثرة الصدقات في شهر رمضان.
3 ـ وفي توقيت الصيام بشهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن تذكير للإنسان بنعمة الرسالة المحمدية، ونعمة الهداية القرآنية التي يكون الشكر عليها بالاستمساك بها "لعلكم تشكرون"، تتوجه فيها القلوب إلى الله بالدعاء الذي لا يُردّ لقول النبي –-: "ثلاثة لا تُرد دعوتهم، الصائم حتى يفطر -أو حين يفطر- والإمام العادل، ودعوة المظلوم" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الترمذي.
ولعل مما يشير إلى الإغراء في الصيام توسط قوله تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ..) بين ثنايا آيات الصيام في سورة البقرة.
4 ـ في الصيام تخليص للإنسان من رِق الشهوة والعبودية للمادة، وتربية عملية على ضبط الغرائز والسيطرة عليها، وإشعار للإنسان بأن الحريات مقيدة لخير الإنسان وخير الناس الذين يعيش معهم، وقد شرعه النبي علاجًا لقوة الشهوة لمن لا يستطيع الزواج، ففي الحديث: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء" أي قاطع. رواه البخاري ومسلم.
5 ـ والصوم جنة ووقاية للإنسان تحصنه ضد الأخطار التي ينجم أكثرها عن الانطلاق والاستسلام للغرائز يقول النبي : "الصوم جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم" رواه البخاري ومسلم.
فالصائم الذي يمتنع عن المحرمات وعن الحلال الذي تدعو له الشهوة إنسان عزيز كريم، يشعر بآدميته وبامتيازه عن الحيوانات التي تسيِّرها الغرائز.
6 ـ والصيام أيضًا يعوِّد التواضع وخفض الجناح ولين الجانب، وبالتالي يعرف الإنسان قدره ويحس بضعفه، ومن عرف قدر نفسه تفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق.
7 ـ والصيام مناعة صحية ضد الأمراض أسهب المختصون في بيانها وتأكيد آثارها ، قال النبي : "صوموا تصحوا" رواه الطبراني عن رواة ثقات.
8 ـ والصوم يعوِّد النظام والتحري والدقة، وذلك بالتزام الإمساك عند وقت معين وحرمة الإفطار قبل حلول موعده، قال تعالى (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ).
9 ـ وصيام رمضان درس عظيم من دروس الاقتصاد والتوفير، يفيد منه الصائم، وتفيد أسرته وتفيد الأمة.
10 ـ الجوع والعطش حين يحس بهما الصائم تتحرك يده فتمتد بالخير والبر للفقراء الذين عانوا مثل ما عانى من ألم الجوع وحر العطش، ومن هنا كانت السمة البارزة للصيام هي المواساة والصدقات وعمل البر، وكانت شعيرة يوم العيد زكاة الفطر للتوسعة على الفقراء، وهي بمثابة امتحان للصائم بعد الدروس الطويلة التي تلقاها في شهر رمضان، وبهذا كانت زكاة الفطر جواز المرور لقبول الصوم كما قال النبي : "صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرتفع إلا بزكاة الفطر" رواه أبو حفص بن شاهين، وهو يقبل في فضائل الأعمال.
11 ـ الصيام بهذا المظهر يُعد للحياة الاجتماعية القائمة على التعاون على البر، وعلى الرحمة الدافعة لعمل الخير عن طيب نفس وإيمان واحتساب، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فرسول الله "أجود بالخير من الريح المرسلة" رواه البخاري ومسلم.
12 ـ والصيام الكامل عن كل المشتهيات يكف الإنسان عن الكذب والزور والفحش والنظر المحرم والغش وسائر المحرمات، قال عليه الصلاة والسلام : "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري، والزور هنا معناه الباطل بكل مظاهره وألوانه.
وقد رأى بعض العلماء أن الغيبة والنميمة يفسدان الصوم كما يفسده تناول الطعام، لقوق النبي في شأن الصائمتين المغتابتين: "صامتا عما أحل الله -الطعام- وأفطرتا على ما حرم الله" رواه أحمد وأبو داود.
وفي بيان أثر الصيام في العلاقات الاجتماعية قال النبي في شأن المرأة التي تؤذي جيرانها بلسانها: "إنها في النار" بالرغم من كثرة صلاتها وصيامها رواه أحمد والحاكم وصححه.
13 ـ والصيام يعوِّد الإخلاص في العمل ومراقبة الله في السر والعلن، وإذا كان هذا طابع الإنسان في كل أحواله أتقن عمله، وأنجز ما يوكل إليه من المهمات على الوجه الأكمل، وعف عن الحرام أيًا كان نوعه، وعاش موفقًا راضيًا مرضيًا عنه، وأفادت منه الأمة.