|
ومن أعظم أسباب المغفرة ومن أسباب العذاب
– ومن أعظم أسباب المغفرة الإيمان الصادق بالله تعالى وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه، والإيمان بملائكة الله الكرام البررة وأنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، والإيمان بكتب الله المنزلة على رسله لهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور وفي مقدمتها القرآن الكريم أفضل الكتب السماوية }وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{ [سورة فصلت آية 42] وقال تعالى: }وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{ [سورة النحل آية 89] وقال تعالى: }قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ{ [سورة المائدة آية 15-16] وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{ [سورة يونس آية 57].
والإيمان برسل الله عليهم الصلاة والسلام جملة وتفصيلاً وفي مقدمتهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين وجعل أمته خير الأمم وكتابه القرآن خير الكتب وشريعته أفضل الشرائع وأسمحها، وأسماها وأكمل الله له ولأمته دينهم ورضيه منهم وأتم عليهم به النعمة فلله الحمد والشكر والثناء على ذلك.
والإيمان بالبعث بعد الموت والجزاء والحساب والثواب والعقاب والحوض والميزان والصراط والجنة والنار وأنهما دار ثواب للمحسنين وعقاب للمسيئين. والإيمان بالقدر خيره وشره وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه قال عليه الصلاة والسلام: "من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه" رواه مسلم.
– ومن أعظم أسباب المغفرة: العمل الصالح ـ الخالص لله الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة وصدقة وصوم وحج وتلاوة وقرآن وذكر لله ودعاء واستغفار وأمر بمعروف ونهي عن منكر وجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران قال الله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ [سورة لقمان آية 8-9] وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً{ [سورة الكهف آية 107-108] وفي القرآن ما يزيد على خمسين آية يقرن الله بفيها الإيمان بالعمل الصالح ويرتب عليهما سعادة الدنيا والآخرة والسلامة من شقاوة الدنيا والآخرة.
4- والاستمرار على الإيمان الصادق والعمل الصالح والتوبة النصوح مدى الحياة حتى الممات قال الله تعالى: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{ [سورة الحجر آية 99] أي حتى تموت وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [سورة الأحقاف آية 13-14].
وطلب رجل من النبي صلى الله عليه وسلم وصية جامعة لأبواب الخير فقال: " يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك. قال: قل آمنت بالله ثم استقم" وفي رواية: "قل ربي الله ثم استقم" رواه مسلم.
والاستقامة هي لزوم طاعة الله تعالى وتشمل فعل جميع الواجبات وترك المحرمات قال صلى الله عليه وسلم : "استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" رواه أحمد وغيره ورمز السيوطي لصحته.
فأسباب المغفرة كلها منحصرة في هذه الأسباب الأربعة: الإيمان الصادق والعمل الصالح والتوبة النصوح والاستقامة على ذلك فإن التوبة تجب ما قبلها والإيمان والإسلام يهدم ما قبله والعمل الصالح الذي هو الحسنات يذهب السيئات، وسلوك طرق الهداية من تعلم علم وتعليمه والدعوة إليه والعمل به والصبر عليه كلها مكفرات للذنوب وموجبات للمغفرة والرحمة والرضوان وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم([1]).
أسباب العذاب
قال الله تعالى: }إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى{ [سورة طه آية 14-16] وقال تعالى في حق بعض الكفار }فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى{ [سورة القيامة آية 31-32] فأسباب العذاب منحصرة في هذين السببين وهما تكذيب القلب بخبر الله ورسوله وإعراض البدن عن طاعة الله ورسوله }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [سورة النور آية 63].
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تنبيه
كثير من الجهال اعتمدوا على مغفرة الله ورحمته وكرمه فضيعوا أمره ونهيه ونسوا أنه شديد العقاب وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين.
وأعظم الخلق غروراً من اغتر بالدنيا وعاجلها فآثرها على الآخرة ورضي بها بديلاً من الآخرة وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله.
وينبغي أن يعلم أن من رجاء شيئاً استلزم رجاؤه ثلاثة أمور:
أحدها: محبة ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.
وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني([2]).
فحسن الظن بالله إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة كما قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [سورة البقرة آية 218] فانظر كيف قدموا أما الرجاء الإيمان والهجرة والجهاد في سبيل الله. وقال تعالى: }إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{ [سورة الأعراف آية 56] أي المحسنين في عبادة الله المحسنين إلى عباد الله ولم يقل إن رحمة الله قريب من العصاة والفسقة والملحدين وقال تعالى: }وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ{ [سورة الأعراف آية 156-157] فهؤلاء المؤمنون المتقون لله بطاعته وترك معصيته المتبعون لرسوله ـ محمد صلى الله عليه وسلم ـ هم أهل رحمة الله. اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كله لا إله إلا أنت واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم ـ وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
([1]) انظر تفسير ابن سعدي ج5 صفحة 88 ط1.([2]) انظر الجواب الكافي لابن القيم ص 22-40.
يعطيك العافيه