الصبر في البلاء
بملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح الفرج. وتهوين البلية بعد أيادي المنن وبذكر سوالف النعم .
هذه ثلاثة أشياء. تبعث المتلبس بها على الصبر في البلاء.
إحداها: ملاحظة حسن الجزاء. وعلى حسب ملاحظته والوثوق به ومطالعته يخفف حمل البلاء، لشهود العوض، وهذا كما يخف على كل متحمل مشقة عظيمة حملها، لما يلاحظه من لذة عاقبتها وظفره بها. ولولا ذلك لتعطلت مصالح الدنيا والآخرة. وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة، فالنفس مولعة بحب العاجل. وإنما خاصة العقل: تلمح العواقب، ومطالعة الغايات.
وأجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم. وأن من رافق الراحة فارق الراحة. وحصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة، فإن قدر التعب تكون الراحة.
على قدر أهل العزم تأتي العزائــم وتأتي على قدر الكريـم الكرائـم
ويكبر في عين الصغيـر صغيرهــا وتصغر في عين العظــيم العظائم
والقصد: أن ملاحظة حسن العاقبة تعين على الصبر فيما تتحمله باختيارك وغير اختيارك.
والثاني انتظار روح الفرج يعني راحته ونسيمه ولذته. فإن انتظاره ومطالعته وترقبه يخفف حمل المشقة. ولا سيما عند قوة الرجاء. أو القطع بالفرج. فإنه يجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه وراحته: ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل. وبه -وبغيره- يفهم معنى اسمه اللطيف.
والثالث: تهوين البلية بأمرين.أحدهما: أن يعد نعم الله عليه وأياديه عنده. فإذا عجز عن عدها، وأيس من حصرها، هان عليه ما هو فيه من البلاء ورآه -بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه- كقطرة من بحر.
الثاني: تذكر سوالف النعم التي أنعم الله بها عليه. فهذا يتعلق بالماضي. وتعداد أيادي المنن: يتعلق بالمستقبل. وأحدهما في الدنيا. والثاني يوم الجزاء.ويحكى عن امرأة من العابدات أنها عثرت. فانقطعت إصبعها. فضحكت. فقال لها بعض من معها: أتضحكين ، وقد انقطعت إصبعك ؟ فقالت: أخاطبك على قدر عقلك. حلاوة أجرها أنستني مرارة ذكرها. إشارة إلى أن عقله لا يحتمل ما فوق هذا المقام. من ملاحظة المبتلي. ومشاهدة حسن اختياره لها في ذلك البلاء، وتلذذها بالشكر له، والرضى عنه، ومقابلة ما جاء من قبله بالحمد والشكر.كما قيل:
لئن ساءني أن نلتني بمسـاءة فقد سرني أني خطـرت ببالــكا.
مدارج السالكين:الصبر
الحكمة في التشديد في أول التكليف والتيسير في آخره
تأمل الحكمة في التشديد في أول التكليف ثم التيسير في آخره بعد توطين النفس على العزم والامتثال ، فيحصل للعبد الأمر أن الأجر على عزمه ، وتوطين نفسه على الامتثال والتيسير والسهولة بما خفف الله عنه . فمن ذلك أمر الله تعالى رسوله بخمسين صلاة ليلة الإسراء ، ثم خففها وتصدق بجعلها خمساً . ومن ذلك . أنه أمر أولاً ، بصبر الواحد إلى العشرة ثم خفف عنهم ذلك إلى الاثنين ، ومن ذلك أنه حرم عليهم في الصيام إذا نام أحدهم أن يأكل بعد ذلك أو يجامع ، ثم خفف عنهم بإباحة ذلك إلى الفجر . ومن ذلك أنه أوجب عليهم تقديم الصدقة بين يدي مناجاة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلما وطنوا له أنفسهم على ذلك خففه عنهم . ومن ذلك تخفيف الاعتداد بالحول بأربعة أشهر وعشراً . وهذا كما قد يقع في الابتلاء بالأوامر فقد يقع في الابتلاء بالقضاء ، والقدر يشدد على العبد أولاً ثم يخفف عنه ، وحكمة تسهيل الثاني بالأول وتلقي الثاني بالرضى وشهود المنة والرحمة . وقد يفعل الملوك ببعض رعاياهم قريباً من هذا . فهؤلاء المصادرون يطلب منهم الكثير جداً الذي ربما عجزوا عنه ثم يحطون إلى ما دونه لتطوع لهم أنفسهم بذله ويسهل عليهم . وقد يفعل بعض الحمالين قريباً من هذا ، فيزيدون على الحمل شيئاً لا يحتاجونه إليها ، ثم يحط تلك الأشياء فيسهل حمل الباقي عليهم . والمقصود أن هذا باب من الحكمة خلقاً وأمراً ويقع في الأمر والقضاء . والقدر أيضاً ضد هذا فينقل عباده بالتدريج من اليسير إلى ما هو أشد منه ، لئلا يفجأ هذا التشديد بغتة فلا تحمله ولا تنقاد له ، وهذا كتدريجهم في الشرائع شيئاً بعد شيء دون أن يؤمروا بها كلها وهلة واحدة . وكذلك المحرمات ومن هذا أنهم أمروا بالصلاة أولاً ركعتين ركعتين ، فلما ألفوها زيد فيها ركعتين أخريين في الحضر . ومن هذا أنهم أمروا أولا بصيام وخيروا فيه بين الصوم عيناً وبين التخيير بينه وبين الفدية ، فلما ألفوه أمروا بالصوم عيناً . ومن هذا أنهم أذن لهم بالجهاد أولاً من غير أن يوجبه عليهم فلما توطنت عليهم نفوسهم وباشروا حسن عاقبته وثمرته أمروا به فرضاً . وحكمة هذا التدريج التربية على قبول الأحكام والإذعان لها والإنقياد لها شيئاً فشيئاً . وكذلك يقع مثل هذا في قضائه وقدره مقدر على عبده ، بل لا بد منه اقتضاه حمده وحكمته فيبتليه بالأخف أولاً ثم يرقيه إلى ما هو فوقه حتى يستكمل ما كتب عليه منه . ولهذا قد يسعى العبد في أول البلاء في دفعه وزواله ولا يزداد إلا شدة لأنه كالمرض في أوله وتزايده . فالعاقل يستكين له أولاً وينكسر ويذل لربه ويمد عنقه خاضعاً ذليلاً لعزته ، حتى إذا مر به معظمه وغمرته وأذن ليله بالصباح ، فإذا سعى في زواله ساعدته الأسباب . ومن تأمل هذا في الخلق انتفع به انتفاعاً عظيماً ولا حول ولا قوة إلا بالله .
بدائع الفوائد الجزء :3الصفحة :141
الزم محراب الإنابة
أيها المذنب : إذا أحسست نفحات الجزاء فلا تكثرون الضجيج ، و لا تقولن قد تبت و ندمت ، فهلا زال عني من الجزاء ما أكره ! فلعل توبتك ما تحققت . و إن للمجازاة زماناً يمتد امتداد المرض الطويل ، فلا تنجح فيه الحيل حتى ينقضي أوانه .
بقى آدم يبكي على زلته ثلاث مائة سنة .
و مكث أيوب عليه السلام في بلائه ثماني عشرة سنة .
و أقام يعقوب يبكي على يوسف عليهما السلام ثمانين سنة .
و للبلايا أوقات ثم تنصرم ، و رب عقوبة امتدت إلى زمان الموت .
فاللازم لك لأن تلازم محراب الإنابة ، و تجلس جلسة المستجدي ، و تجعل طعامك القلق ، و شرابك البكاء ، فربما قدم بشير القبول فارتد يعقوب الحزن بصيراً .
و إن مت في سجنك فربما ناب حزن الدنيا عن حزن الآخرة ، و في ذلك ربح عظيم . صيد الخاطر الجزء :1الصفحة :195
للشيخ خالد الحبشي للرقية الشرعية
ارجوا ان تستفيدوا وادعولي
للرفع الله يخليكم