|
بعض رؤى الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤى الصحابه رضي الله عنهم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
هذه أمثلة موجزة لبعض الرؤى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأفضل الخلق من بعده وهم صحابته،
أولاً:
رؤى الرسول صلى الله عليه وسلم :
ألفت هنا إلى حديث عائشة المتفق عليه الذي رواه البخاري في صحيحة
قالت: أوّل ما بُدىءَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلاَّ جاءته مثل فَلَقِ الصُّبح.
وقد جاء في رواية أخرى الرؤيا الصالحة، والصادقة والصالحة
بمعنى : واحد بالنسبة لأمور الآخرة في حق الأنبياء.
وأما بالنسبة لأمور الدنيا، فالصالحة تختلف عن الصادقة؛ إذْ أنَّ الصالحة أخصّ، فرؤيا الأنبياء كلها صادقة، وقد تكون صالحة وهي الأكثر، وقد تكون غير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في رؤياه يوم أُحد حين رأى رؤيا وعبرها بقتل في أصحابه.
وشبهها بفلق الصبح دون غيره، لأنَّ شمس النبوة كانت الرؤيا مبادي أنوارها، فما زال ذلك النور يتّسع حتى أشرقت الشمس فمن كان باطنه نورياً كان في التصديق بكرياً كأبي بكر، ومن كان باطنه مظلماً كان في التكذيب خفاشاً كأبي جهل، وبقية الناس بين هاتين المنزلتين كلٌّ منهم بقدر ما أعطي من النور
ومن الأمثلة على رؤى الرسول صلى الله عليه وسلم المثال التالي:
الرؤيا الأولى:
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: ((دخلت الجنة فرأيت قصراً من ذهب. قلت: لمن هذا؟ قالوا: لشاب من قريش، فظننت أني أنا هو، قالوا: لعمر بن الخطاب)).
وهذا الحديث جاء في رواية أخرى: (( بينما أنا نائم رأيتُني في الجنة ))
وقوله: (( قالوا : لعمر )) القائل: جبريل ومن معه من الملائكة،
وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
قال: قل رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأةٌ تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرته فوليت مدبراً ))، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: عليك أغار يا رسول الله؟
وفي رواية عند الإمام أحمد: قال أبو هريرة : فبكى عمر ونحن جميعاً في ذلك المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر بأبي أنت يا رسول الله، أعليك أغار؟
والوضوء هنا من الوضاءة وهي النظافة والحسن إذ أنَّ الجنة ليست دار تكليف، وقد ذكر ابن حجر أنَّ المرأة التي شاهدها الرسول بجانب القصر هي أم سليم وكانت على قيد الحياة حينئذ فرآها النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة إلى جانب قصر عمر فيكون تعبيره أنها من أهل الجنة لكون الرائي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونها إلى جانب قصر عمر ففيه إشارة إلى أنها تدرك خلافته وكان كذلك.
الرؤيا الثانية:
عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( بينما أنا نائم إذا رأيت قدحاً أُتيتُ به فيه لبن، فشربتُ منه حتى إنِّي لأرى الرِّيَّ يجري في أظفاري، ثم أعطيتُ فَضْلي عمرَ بنَ الخطاب)). قالوا: فما أوَّلت يا رسول الله؟ قال: ((العلم))
وهنا أول الرسول صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم
وقد ربط بعض العلماء بين اللبن والعلم بقوله: اللبن رزق يخلفه الله طيباً بين أخباث من دم وفرث كالعلم نوره يظهره الله في ظلمة الجهل، فضرب به المثل في المنام كنا أنَّ الذي خلص اللبن من بين دمٍ وفرث قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل، ويخفظ العمل عن غفلة وزلل.
وفي الحديث أنَّ علم النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالله لا يبلغ أحد درجته فيه، لأنه شرب حتى رأى الرِّيَّ يخرج من أطرافه، وأما إعطاؤه فَضْلهُ عمر ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله، بحيث كان لا يأخذه في الله لومة لا ئم.
الرؤيا الثالثة :
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعنى: سَرَقَة من حرير: لباس أو قماش أبيض من الحرير.
ويلاحظ في المثال الأول والمثال الثالث :
من رؤى الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعبرها لعمر ولا لعائشة، ففهم إذاً أنها من الرؤى التي تكون فيها الرؤيا على وجهها وظاهرها لا تحتاج تعبير ولا تفسير، وقد ذكر ابن حجر في شرحه لحديث ابن عمر ورؤيته للنار أن بعض الرؤى لا تحتاج إلى تعبير.
أما رؤيا عبد الله بن عمر فقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا حين أول شرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه اللبن بالعلم.
ثانياً:
رؤيا بعض الصحابة
لعل من أبرز الرؤى رؤيا الصحابي الجليل عبد الله بن زيد الأنصاري ومشروعية الأذان وتفصيل هذه الرؤيا في الرواية التالية:
الرؤيا الأولى:
عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هَمَّ بالبوق وأمر بالناقوس فَنُحِت، فأُرِيَ عبد الله بن زيد في المنام
قال: رأيت رجلاً عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوساً،
فقلت له : يا عبد الله تبيع الناقوس؟
قال: وما تصنع به؟
قلت: أنادي به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ قلتُ: وماهو؟
قال: تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أن لا إله إلاَّ الله. أشهد أنَّ محمداً رسول الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله.
حيَّ على الصلاة ، حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح، حي على الفلاح. الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلاَّ الله.
قال: فخرج عبد الله بن زيد حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما رأى،
قال: يا رسول الله، رأيت رجلاً عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوساً… فقص عليه الخبر، فقال رسول الله سلى الله عليه وسلم : (( إنَّ صاحبكم قد رأى رؤيا، فاخرج مع بلال إلى المسجد فألقها عليه، ولُينادِ بلال، فإنه أندى صوتاً منك)).
والمراد بأندى صوتاً منك : أقوى وأقدر منك على التصويت، والنَّدا هو بعد ذهاب الصوت، وأندى أفعل تفضيل منه.
لنعود إلى القصة .. قال عبد الله بن زيد فخرجت مع بلال إلى المسجد فجعلتُ أُلقيها عليه وهو ينادي بها.
قال: فسمع عمر بن الخطاب بالصوت، فخرج
فقال: يا رسول الله والله لقد رأيت مثل الذي رأى.
وقد سُرّ هذا الصحابي كثيراً ومما قال في ذلك:
أحمدُ الله ذا الجلالِ وذا = الإكرامِ حمداً على الأَذَانِ كثيرا
إذْ أتاني به البشيرُ من اللهِ = فَأَكَرِمْ به لديّ بشيرا
في ليالٍ وَاَلى بِهِنَّ ثلاثٍ = كلما جاء زادني توقيرا
الرؤيا الثانية:
كذلك من الأمثلة على رؤى الصحابة ما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
قال: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصّها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمنيت أن أرى رؤيا أقصّها على النبي صلى الله عليه وسلم .
قال: وكنت غلاماً شاباً عَزَباً _ والعزب من لم يكن له زوج فيقال له: عازب وجمعهُ عزَّاب _ قال.. وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرأيت في النوم: كأن ملكين أَخَذَاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مَطْويةٌ كطيّ البئر وإذا لها قرنان كقرني البئر _ ومعنى هذا: قرون البئر جوانبها التي تُبنى من حجارة توضع عليها الخشبة التي تعلق فيها البكرة ، والعادة أنَّ لكل بئر قرنين،
ونعود للحديث قال ابن عمر: وإذا لها قرنان كقرني البئر وإذا فيها ناسٌ قد عرفتهم فجعلتُ أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار.
قال: فلقيهما مَلَك فقال لي: لم تُرَعْ_ أي لا روع عليك ولا ضرر_ فَقَصَصْتُها على حفصة، فقصّتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (( نعم الرجلُ عبدُ الله لو كان يُصَلِّي من الليل)).
قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلاَّ قليلاً [ متفق عليه، واللفظ لمسلم]
وفي رواية البخاري: قال : فقلت في نفسي : لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء،
فلما اضطجعت ليلةً قلتُ: اللَّهم إن كنت تعلم فيّ خيراً فأرني رؤيا…
الحديث متفق عليه واللفظ للبخاري.
بقلم الشيخ الدكتور / فهد العصيمي
منقول