مما لاشك فيه أن العداوة بين الإنسان والشيطان عداوة قديمة، فمنذ أن أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لأبينا آدم عليه السلام أبى إبليس واستكبر وأعلن العداوة والحرب على بني آدم،كما أخبر تعالى عن ذلك
معنى الوسوسة:
الوسوسة والوَسواس: ما يلقيه الشيطان في القلب. وقال الراغب: الوسوسة: الخطرة الرديئة , وقال البغوي: الوسوسة القول الخفي لقصد الإضلال, والوسواسُ: ما يقع في النفس وعمل الشر وما لا خير فيه , وهذا بخلاف الإلهام فهو لما يقع فيها من الخير.
قال ابن القيم رحمه الله: "الوسوسة: الإلقاء الخفي في النفس إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من أُلقِيَ عليه, وإما بغير صوت كما يوسوس الشيطان للعبد".
والوسوسة تارة تكون من فعل الشيطان الجني كما قال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا )(الأعراف:20), وسمى الله تعالى شيطاني الجن والإنس "وسواساً" فقال تعالى: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ – الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) , وتارة تضاف الوسوسة إلى فعل النفس كما قال تعـالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُه).(ق:16)
أنواع الوسوسة:
يحضر الشيطان ابن آدم عند كل شأنه, حتى عند طعامه وشرابه فتنة وابتلاءً،ولكن غرضه الأعظم الكبير في إفساد إيمان المؤمن, فهو يسعى بخيله ورجله ليطفىء نور العلم والهداية في قلبه, ويوقعه في ظلمة الشكِّ والحيرة, ومن هنا كانت وساوسه تتجه صوب أمرين دينيين:
أحدهما: وسوسة الشيطان في العِلْمِيَّات: وهي مسائل الاعتقاد والإيمان, وهو أشدُّ النوعين؛ذلك لأنّ التوحيد: هو أساس الإسلام, وصرحه الشامخ, ورأس مال المؤمن, ومن خلاله يمكن للشيطان أن ينفث سمومه ليفسد على المرء دينه, ولهذا يوجه إبليس جلَّ سهامه وجنوده لإفساد هذه العقيدة, والتشكيك في التوحيد الخالص فتنة للناس عن دين الحق, كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنّ عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة" (رواه مسلم)
الثاني: الوسوسة في العمليات: وهي العبادات والمعاملات, فهو يحضر المسلم عند طهارته وصلاته وذكره ودعائه, وحجه وطوافه وصيامه, ليلبّس على الناس عباداتهم ويفسد عليهم طاعاتهم, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنّ الشيطان إذا سمع النداء أحال(ذهب هاربا) له ضراط, حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب لا يسمع صوته .فإذا سكت رجع فوسوس".(رواه البخاري ومسلم).
أما النوع الأول: وهو وسوسته في العقائد, فمن حيل الشيطان وألاعيبه ببعض الناس أن يزين لهم حبَّ الفضول والسؤال عما لا قِبَلَ لمخلوق أن يدركه عن الخالق عز وجل, فتقع وسوسة السؤال عن ماهية الله تعالى, ووجوده…وقد يقع شيء من هذا لكثير من المؤمنين الصادقين, فيدفعونه بالاستعظام والإجلال كما أتى في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: "إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به, قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان" (رواه مسلم). وعن عبد الله رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة, قال: "تلك محضُ الإيمان" (رواه مسلم). قال الخطابي: "معناه: أنّ صريح الإيمان هو الذي منعكم من قول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم والتصديق به, وليس معناه أنّ الوسوسة نفسها صريح الإيمان, وذلك أنها إنما تتولد من فعل الشيطان وتسويله, فكيف يكون إيماناً صريحاً, لأنّ الإيمان: التيقن, وأنّ الإشارة إلى أنّ ما وجدوه من الخوف من الله تعالى أن يعاقبهم على ما وقع في نفوسهم: هو محض الإيمان؛ إذ الخوف من الله تعالى ينافي الشك فيه" .
وقال ابن تيمية رحمه الله: "أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له, ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان, كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه, فهذا أعظم الجهاد و(الصريح) الخالص كاللبن الصريح, وإنما صار صريحاً لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية, ودفعوها فخَلص الإيمان فصار صريحاً …" وقال: "فالشيطان لما قذف في قلوبهم وسوسة فدفعوه؛ تحرك الإيمان الذي في قلوبهم بالكراهة لذلك، والاستعظام له؛ فكان ذلك صريح الإيمان, ولا يقتضي ذلك أن يكون السبب الذي هو الوسوسة مأموراً به, والعبد أيضاً قد يدعوه داعٍ إلى الكفر أو المعصية فيعصيه ويمتنع؛ ويورثه ذلك إيماناً وتقوى, وليس السبب مأموراً به, وقد قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ.. ) الآيتان (آل عمران: 173 ،174), فهذا الإيمان الزائد والتوكل كان سبب تخويفهم بالعدو، وليس ذلك مشروعاً بل العبد يفعل ذنباً فيورثه ذلك توبة يحبه الله بها، ولا يكون الذنب مأموراً به وهذا باب واسع جداً..".
هذا وقد أنبأ نبينا صلى الله عليه وسلم أصحابه أنّ هذه الوساوس سيتكلم بها الناس, عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة حتى يقولوا: هذا الله فمن خلق الله؟" قال: فبينما أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب فقالوا: يا أبا هريرة هذا الله, فمن خلق الله؟ قال: فأخذ حصى بكفه فرماهم, ثم قال: قوموا قوموا، صدق خليلي" رواه مسلم.
طرق علاج الوسوسة في العقائد:
إنّ السلامة من فتنة الشيطان بالوسوسة في الإيمان والاعتقادات تكون بطريقتين:
الطريقة الأولى: وقائية: وهي الاحتراز من الوسوسة قبل حصولها, وذلك بالتحصن بالعلم والعكوف على مسائل التوحيد والإيمان, دراسة ومذاكرة, لأنّ الشيطان لا يجد السبيل سالكاً لتشكيك أهل العلم بالإيمان, فكلما أراد عدو الله أن يصرعهم صرعوه, وإذا شغب عليهم بوساوسه, ردوها عليه بما عندهم من الهدى والعلم ورجموه، "وَلَعالِـمٌ واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد", ومَن عرف الله تعالى من خلال صفاته ومخلوقاته, عظّم ربه حق التعظيم, وقَدَّره كل التقدير, ولا يزال أبداً يحسن الظن بمولاه حتى يلقاه.
الطريقة الثانية: إذا وقعت الوسوسة في النفس,دفعها المسلم المدرك, وأبطلها بستة أمور:
الأمر الأول : الكف عن الاسترسال في الوسوسة, والانتهاء عنها بقطع حبالها ومتعلقاتها, مستعيناً على ذلك بالاستعاذة بالله من شر الشيطان الرجيم, وذلك لما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته"(رواه مسلم) ، والمعنى: إذا عرض له هذا الوسواس, فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره, وليعرض عن الفكر في ذلك, وليعلم أنّ هذا الخاطر من وسوسة الشيطان, وهو أن يسعى بالفساد والإغواء, فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها, بالاشتغال عنها. وهذا كما قال تعالى: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ )( سورة الأعراف: الآيتان 201,200(.وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ للشيطان لـمَّة بابن آدم, وللمَلَك لـمَّة, فأما لـمَّة الشيطان, فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق, وأما لـمَّة الملك, فإيعاد بالخير, وتصديق بالحق, فمن وجد ذلك, فليعلم أنه من الله, فليحمد الله, ومن وجد الأخرى, فليتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم".
فلا بد إذن من ضبط النفس عن الاستمرار في هذه الوساوس, لأنّ الأضرار والعواقب المترتبة على التسليم لهذه الوساوس وخيمة.
الأمر الثاني: لا يسأل أسئلة صريحة عن هذه الوساوس التي تدور بخاطره, أي لا يصرح بشيء من ذلك, فإنه في عافية, مادامت الوساوس محصورة في قلبه لم تنتقل بعد إلى لسانه, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله تجاوز لأمتي عما وسوست ـ أو حدثت ـ به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم"(البخاري ).
وهذا ما كان يتأدب به الصحابة إذا وقع لهم شيء من ذلك كما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: إني أحدث نفسي بالشيء, لأنْ أكون حُمَمَة أحب إليَّ من أن أتكلم به, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة"( رواه أبو داود.).
الأمر الثالث: أن يقول إذا وجد الوسوسة بثبات جنان ونطق لسان: "آمنت بالله", وذلك لحديث: ((لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا, خلق الله الخلق. فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله" (رواه مسلم) ، ومن المعلوم أنّ الإيمان به تعالى هو ركن الإيمان الأول بالغيب, ومنه ينطلق الإيمان ببقية الأركان, فالتأكيد عليه بالنطق كذلك تذكير بالله تعالى وطرد للشيطان.
الأمر الرابع: قال ابن القيم رحمه الله: "وأرشد ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ من بُلي بشيء من وسوسة التسلسل في الفاعلية, إذا قيل له: هذا الله خلق الخلق, فمن خلق الله؟ أن يقرأ: (هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) سورة الحديد: الآية 3. كذلك قال ابن عباس لأبي زُميل سماك بن الوليد الحنفي وقد سأله: "ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قال: قلت: والله لا أتكلم به, قال: قال لي: أشيءٌ من شك؟ قلت: بلى. فقال لي: ما نجا من ذلك أحد, حتى أنزل الله عز وجل: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ) قال: قال لي: فإذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فأرشدهم بهذه الآية إلى بطلان التسلسل الباطل ببديهة العقل, وأن سلسلة المخلوقات في ابتدائها تنتهي إلى أول ليس قبله شيء كما تنتهي في آخرها إلى آخر ليس بعده شيء, … فهو الأول الذي ليس قبله شيء, والآخر الذي ليس بعده شيء, والظاهر الذي ليس فوقه شيء, والباطن الذي ليس دونه شيء" .
الأمر الخامس: الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء, وطلب تثبيت القلب على الإيمان. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو فيقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"وكان يقول أيضاً: "إنّ الإيمان يبلى في جوف أحدكم كما يبلى الثوب؛فاسألوا الله أن يجدد إيمانكم".
الأمر السادس: إذا استمرت الوساوس, فما عليه إلا أن يردَّ ما يُشكل عليه ويؤرقه, ويكدر صفو اعتقاده بربه ويزعزعه إلى أهل العلم, لقول الله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ).
وأما النوع الثاني وهو وسوسته في العبادات فهو أمر يوقع فيه الشيطان بعض الناس فيأتيهم في الصلاة مثلا فيخيل إليهم أنهم قد أحدثوا أو أن الواحد منهم صلى ثلاثا بدلا من أربع ركعات…وكأن يأتي العبد بعد الفراغ من الوضؤ فيوسوس له أنه لم يمسح رأسه ،أو لم يغسل العضو كما ينبغي…
وعلاج هذا النوع أساسا بعدم الالتفات له خصوصا إذا صار عادة للشخص،وقد دل على هذا العلاج خير البشر صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث.ولم يحدث،فإذا وجد أحدكم ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوت ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه"(رواه الهيثمي في المجمع، وقال:رجاله رجال الصحيح).
وعلى من ابتلي بهذا الداء أن يستعين بكثرة الذكر؛فإنه لا سلطان للشيطان على الذاكر،وعليه أيضا أن يكثر من الدعاء والتضرع إلى الله ليصرف عنه ما يجد ، وليستعن بأهل الاختصاص من الأطباء.عافانا الله وإياكم والمسلمين من كل داء وبلاء ،ورد كيد الشيطان إلى نحره، والحمد لله رب العالمين.
ممكن ذكر المصــــــدر ؟؟؟
لا اذكر المصدر ولكني نقلته من مذكراتي