هل تذكرنا الاحتضار وآلامه؟
هل تذكرنا الموت وسكراته الموت؟
تلك الساعة الحاسمة تلك الساعة الفاصلة التي يقف فيها البشر عاجزين مقهورين أمام الموت الذي يشرب من كأسه جميع.
هل تذكرنا تلك الساعة التي سيأتينا فيها ملك الموت ومعه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب فيقف عند رأسك ثم يبدأ في نزع روحك من جسدك فيبدأ الرأس يرتعد، والأطراف تبرد، والعين تشخص، واللسان يغرغر، فإن كنت مؤمنا صالحا قال ملك الموت:
" أخرجي أيتها الروح المطمئنة، أخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان، فيسيل روحك كما تسيل القطرة من فم السقاء، فتأخذها ملائكة الرحمة، ولا تتركها في يده طرفة عين، فيضعونها في كفن من أكفان الجنة ويطيبونها بحنوط من حنوط الجنة ثم يصعدون بها إلى السماء ويستفتحون لها فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائك حتى السماء السابعة ثم يقول الله عز وجل: اجعلوا كتاب عبدي في عليين. "
وإن كان العبد فاسقا أو كافرا قال الملك:
" أخرجي أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى حميم وغساق، وآخر من شكله أزواج، فينزع روحه كما تنزع الشوكة من الصوف المبلول، فتأخذها ملائكة العذاب ولا يدعونها في يده طرفة عين، فيضعونها في كفن من أكفان النار وحنوط من حنوطها ثم يصعدون بها إلى السماء ويستفتحون لها .. فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه فلا يفتح. "
فماذا أعد كل منا أيها المسلمون لتلك الساعة الرهيب؟؟؟؟؟
إن غفلة كثير منا عن الموت ترجع إلى أنهم لا يدركون خطورته ولا يفهمون معناه ولا يعلمون ما بلحظات الموت من عظائم وأهوال ولا يدركون ما به من مصائب ودواهي، الواحدة منها يشيب لهولها الوليد وينصهر لشدتها الحديد.
وأول تلك الدواهي ساعة الاحتضار وما بها من آلام ونزعات وما يصحبها من غرغرة وسكرات، لا يقوى المحتضر من شدتها أن يتأوه ولا يستطيع من قوتها أن يخرج صراخا .
سئل أحد الصالحين وهو يحتضر كيف ترى الموت؟
قال : أرأيت الشاة الحية عند سلخها كيف يكون حالها؟
وعاد بعضهم مريضا فقال له: كيف تجدك؟
قال: هو الموت
فقال له: وكيف علمت أنه الموت؟
قال : أجدني أجذب جذبا، وكأن الخناجر في جوفي، وكأن جوفي تنور محمي يلتهب فقال له : فأعهد – أي أوصي – قال : أرى الأمر أعجل من ذلك، فدعى بدوارة وصحيفة ليكتب وصيته قال الرجل : فوالله ما أوتي بها حتى شخص بصره فمات، وذلك لأن الروح تخرج من كل طرف من أطراف الجسد ومن كل عضو من أعضائه ومن كل خلية من خلاياه .
ويقول العلماء إن سكرات الموت أشد من نشر بالمناشير وضرب بالسيوف، وما لنا نذهب بعيدا وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه الإعياء الشديد وأخذ عليه بها ماء، فجعل يمسح وجهه به ليخفف من وطأة الموت وشدته ويقول: ((لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، اللهم بالرفيق الأعلى)) ثم شخص بصره ومالت يده وشغلت رأسه وقبض صلى الله عليه وسلم .
فإذا كان هذا هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الموت، وهو الذي رفع الله ذكره وأعلى في العالمين قدره، فكيف سنواجه نحن الموت وقد كثرت ذنوبنا وطفحت عيوبنا وانتشرت معاصينا، كيف سنكون في تلك اللحظات ونحن بهذه الذنوب والسيئات .
أما المصيبة الثانية والداهية التالية في الموت فهي شدة الحسرة والندم التي يشعر بها المحتضر، فالواحد منا يبقى طوال حياته غافلا ساهيا ينتهك الحرمات يمينا وشمالا لا يبالي حتى إذا فاجأه الموت عرف وقتها أن الله حق وأن الحلال بيّن وأن الحرام بيِّن، فتتولد عنده حسرة شديدة وندم عظيم على ما فاته في حياته، ويتمنى لو يعود فيصلح من شأنه ويكثر من الطاعات، ولكن للأسف الشديد فبرغم شدة حسرته وندمه إلا أنها حسرة لا تنفع، وندم لا يقبل .
كان يزيد الرقاشي يعظ نفسه كل ليلة عندما يجدها تكاسلت في الطاعة فيقول:
يا يزيد من ذا يصلي عنك بعد الموت، يا يزيد من ذا يصوم عنك بعد الموت، يا يزيد من ذا يتصدق عنك بعد الموت.
وأما ثالثة الدواهي والمصائب في الموت فهي أن الموت خاتمة الحياة والأعمال، به يتحدد مصيرك، وعلى أساسه تبعث يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم:
(( إنما الأعمال بالخواتيم ))
وقال عليه الصلاة والسلام:
(( يبعث العبد على ما مات عليه ))
وأحدنا لا يدري متى سيأتيه الموت؟! أيأتيه على إيمان أم على كفر؟! أيأتيه على عمل صالح أم على عمل طالح؟! أيأتيه على خير وعبادة أم على شر ومعصية؟!
فماذا ستفعل أيها العبد المسكين أمام تلك الأهوال؟
وما الذي سينفعك وقتها؟
والله لن ينفعك وقتها مال ولا بنون؟
لن ينفعك إلا قلب سليم وركعة ركعتها في جوف الليل أو آية قرأتها من كتاب الله ترجو ثوابها أو صدقة وضعتها في يد يتيم أو دمعة نزلت من عينيك خوفا من الله جل وعلا .
أجمعين حبيبات قلبـي