|
عرفت ورشة العمل الدولية المختصة التي عقدت في عام 2024، الشلل الدماغي بأنه مجموعة من اضطرابات تؤثر على تطور ونمو الحركة ووضع الجسد وتحد النشاط وتنجم عن اضطرابات تحدث في دماغ الجنين أو الرضيع. فالشلل الدماغي ليس مرضا معينا بل هو حالة تنتج عن إصابة في المخ. في بريطانيا وفقا لمنظمة "اسكوب" التي تعمل على التوعية بالشلل الدماغي ومساعدة المصابين به، فإن هنالك حوالي 1 بين كل 500 مولود يعاني من الشلل الدماغي. أما في أميركا فقد أثبتت الدراسات أن اثنين بين كل ألف مولود يعانيان من نوع من الشلل الدماغي، وهو واحد من أكثر أنواع الاعاقات شيوعا بأميركا. أما في دراسة أجراها مجموعة من الأطباء في المملكة العربية السعودية فقد وجد أن الشلل الدماغي هو ثاني أعلى سبب للتخلف العقلي لدى الأطفال.
ما هي أنواع الشلل الدماغي؟
* هناك عدة أنواع من الشلل الدماغي، وشدة الحالة تعتمد على أجزاء المخ التي تضررت أو دمرت. ويصنف الشلل الدماغي إلى أربعة أنواع رئيسية:
ـالشلل الدماغي التشنجي (spastic): وهو أكثر الأنواع شيوعا لدى الأطفال حيث يصيب 7 من كل 10 أطفال. وفي دراسة أجريت في الأردن لتحديد الأعراض السريرية للشلل الدماغي وجد أن 64.5 % منهم يعانون من النوع التشنجي. في هذا النوع تصبح العضلات المتضررة منكمشة ومتشنجة، وفي الحالات الحادة يمكن أن تتيبس العضلات. وتختلف درجة الشلل التشنجي حسب شدة الاصابة. ويحد التيبس حركة العضلات، مما يسبب ضمور أو تلف العضلات. وللشلل الدماغي التشنجي أنواع تحددها الأطراف المتضررة، على سبيل المثال يكون هنالك شلل نصفي عند تضرر ساق وذراع من جانب واحد، أو الشلل الرباعي اذا تضررت اليدان والرجلان.
– الشلل الدماغي الرعاش (Athetoid): يحدث هذا في 2 من كل 10 أطفال مصابين بالشلل الدماغي. وفي هذا النوع يعاني الطفل من حركة فجائية بالأطراف أو عضلات الأطراف وربما تكون الحركة ببطء أو بسرعة. وجميع الحركات التي تحدث للطفل هي غير ارادية وفي بعض الأحيان حتى اللسان أو الوجه قد يكون متضررا. وعادة يجد الطفل المصاب صعوبة في البقاء في مكان واحد أو مسك أي شيء.
– الشلل الدماغي الترنحي (Ataxic): هذا من أقل انواع الشلل الدماغي حدوثا، ويحدث عادة في أقل من واحد من بين كل 10 أطفال. فالطفل المصاب بهذا النوع يجد صعوبة في التوازن والقيام بالحركات الدقيقة. من الأرجح أن يكون يمشي مترنحا ويده غير ثابتة عند الكتابة أو غيرها من المهام الدقيقة.
– الشلل الدماغي المختلط ( mixed): الطفل المصاب بالشلل الدماغي المختلط عادة به نوعان أو ثلاثة من أنواع الشلل الدماغي المختلفة. عادة ما يكون مزيجا من الشلل الدماغي الترنحي والتشنجي، أي أن يكون الطفل مصابا بالشلل التشنجي وأيضا يقوم بحركات لا إرادية.
ما هي أسباب الشلل الدماغي؟
* هنالك عدة أسباب يمكن أن تؤدي إلى اضطراب الشلل الدماغي، وإن كان لا يوجد سبب واضح له، ويرجح أن تكون هنالك عوامل متعددة، منها:
• خلقي منذ الولادة، وهو ما يعتقد أنه يحدث نتيجة لتلف المخ قبل الولادة (في رحم الأم). يولد الطفل وهو مصاب به ولكنه قد لا يتم اكتشافه إلا بعد عدة أشهر أو أكثر كما هو الحال في قصة سالم. ويعتقد العلماء أن الشلل الدماغي الناتج عن التخلق يمثل 70 % من الحالات.
• إصابة المخ أثناء الولادة. في بعض الأحيان يعتقد أن مخ الطفل قد يتضرر خلال أو بعد الولادة مباشرة. على الرغم من أن هذا قد يكون السبب، ففي دراسة أجريت في بريطانيا، وجد أن معدل حدوث الشلل الدماغي لم تتغير في الخمسين عاما الماضية، على الرغم من التحسن المضرد في رعاية الأم والمولود الجديد.
• الشلل الدماغي قد يحدث في الأطفال بعد الولادة، وهذا أكثر شيوعا في البلدان النامية ويمكن أن يكون بسبب الاصابة بالتهاب المخ ، مثل التهاب السحايا أو الملاريا الدماغية أو بسبب إصابة في الرأس بأثر حادث أو ضربة حادة بالرأس.
ما هي عوامل الخطر؟
* بعض العوامل التي قد تسبب الشلل الدماغي تشمل:
• الولادة المبكرة، لأن الطفل يكون هشا جدا ويمكن اصابة المخ بسهولة.
• الوزن المنخفض عند الولادة.
• عدم اكتمال نمو الجنين اثناء وجوده في الرحم.
• انتقال العدوى الفيروسية أو البكتيرية من الأم في بدايات الحمل.
• قلة الأوكسجين لفترة طويلة عند ولادة الطفل.
ما هي الأعراض والعلامات ؟
* عادة تظهر أعراض الشلل الدماغي في عمر 18 شهرا أو أقل. ومن المحتمل أن يلاحظ الآباء تأخرا في نمو الطفل مقارنة مع التغيرات الأخرى، على سبيل المثال تأخر تطور مؤشرات النمو مثل جلوس الطفل، التقلب أو تغيير وضعية النوم، الزحف، الابتسام أو المشي. بعض الأطفال المتضررين ربما تبدو عضلاتهم غير طبيعية، إما أنها أكثر ترهلا أو استرخاء. وممكن أن تكون للطفل وقفة غير طبيعية. المشاكل الأخرى التي قد ترافق الشلل الدماغي، تشمل الصعوبة في التعلم، مع ترواح في شدتها، ومشاكل في الكلام، كما أن مرض الصرع يمكن أن يحدث في 1 من كل 3 أطفال متضررين من الشلل الدماغي. وقد تكون هناك صعوبات في الأكل والشرب بسبب تأثر عضلات الفم، ومشاكل في السمع أوالنظر.
مدى خطورة الشلل الدماغي؟
* الشلل الدماغي يمكن أن يتراوح بين معتدل وحاد إلى درجة الإعاقة. ويعتبر الشلل الدماغي من الاعاقات غير التفاقمية، وبالتالي فإن الأضرار التي حدثت في الدماغ لا تزيد أو تزداد سوءا، ولكن الضرر الذي حدث لا يتغير. أما التأثير على الجسم فقد يتفاقم، فالاستخدام المحدود للعضلات قد يؤدي إلى ضمورها أو تيبسها، وبالتالي التشخيص المبكر مهم للغاية حتي يمكن تنظيم فريق من المتخصصين، قبل أن يسوء وضع العضلات مما يؤدي الي ضمورها أو تيبسها. قد تكون لدى كل طفل اضطرابات مختلفة، تؤثر على حركة أطرافه، وأحيانا بشدة، ويمكن أن تؤدي أيضا إلى آثار نفسية علي الطفل مما يجعله يشعر بشعور مختلف عن أقرانه.
كيف يمكن التعامل معه؟
* عادة لابد من تقييم الشلل الدماغي بعناية من قبل المتخصصين في طب الأطفال من أجل تشخيص الحالة، وكذلك قد تكون هناك حاجة لاختبارات إضافية. بعد التشخيص، يحتاج الشلل الدماغي إلى إدارته بعناية من قبل فريق من المتخصصين، يشمل أطباء وممرضات وأخصائيي العلاج الطبيعي وعلاج عيوب النطق. من المؤسف أن الشلل الدماغي لا يمكن علاجه، وذلك لأن تلف خلايا المخ لا رجعة فيه، ولكن من المهم التركيز على الحد من درجة العجز من خلال تضافر جهود الفريق المتخصص الطبي وجهد الآباء لمعالجة طفلهم.
ماذا يمكن أن يفعل الآباء؟
* وكما هو الحال في جميع الآباء الذين عرفوا أن طفلهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، فليس من السهل عليهم دائما تقبل الوضع، إذ تختلط عليهم العديد من المشاعر مثل الشعور بالقلق، والخوف من حجم اصابة طفلهم، واحيانا يتسائلون كيف يمكن مساعدة طفلهم والتخفيف عنه. ورغم الاحباط الهائل المحتمل ان يشعروا به فالنتائج عادة ليست محبطة بالصورة التي قد يتصورها البعض، فقد نشرت مجلة الانسيت الطبية مؤخرا دراسة أجرتها جامعة نيوكاسل البريطانية علي 1174 طفلا مصابا بالشلل الدماغي تتراوح أعمارهم بين 8-12 سنة من سبعة بلدان أوروبية، أظهرت أن معظم الأطفال المصابين بالشلل الدماغي في هذا العمر يتمتعون بمستوي حياة يماثل نوعية حياة الأطفال الآخرين. وذكر معدو الدراسة أن علي الآباء والأمهات الاطمئنان بأن نوعية حياة الأطفال لن تتأثر بالشلل الدماغي.
والمهم هو أن علي الآباء والأمهات التذكر بأن دورهم هو الأهم في رعاية وعلاج طفلهم، فلديهم مميزات فريدة التي لا يمكن أن تتوفر في غيرهم وهي إعطاء الطفل حبا غير مشروط، وتقديم الدعم للطفل متي ما احتاج اليه. فطفلك لا يختلف كثيرا عن الأطفال الآخرين وانه لم يتغير، لكنه قد تكون احتياجاته أكثر من غيره من الأطفال.
بقلم :د. ايمان حسين شريف
المصدر:https://www.aawsat.com/details.asp?se…94199&feature=