|
كثيرون هنا فى الغرب وتلاميذ لهم فى الشرق يتخذون من قضية حقوق المرأة السعودية مطية ومدخلاً للطعن فى دين الله والنيل من الشريعة الغراء!
* الادعاء بحرمان المرأة من حقوقها ينفيه الواقع السعودى وحتى فى أقصى بلاد المملكة، مع الأخذ فى الاعتبار ـ الاختلاف حول مفهوم الحقوق ـ (حقوق فى ماذا ؟، ومن وجهة نظر مَن ؟).
* خلال الأسبوع الماضى كنت ضيفًا على كلية الآداب بجامعة الدمَّام، حيث عقد قسم الدراسات الإسلامية مؤتمره الأول وكان عن الإسلام والسلام.
* المؤتمر ضم حشدًا كبيرًا من العلماء والمفكرين الضيوف من كل بقاع العالم، كان فى مقدمتهم أستاذ القانون الدولى المعروف الدكتور جعفر عبد السلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، والفقيه المعروف الأستاذ الدكتور نبيل غنايم، ومن عمالقة الفكر فى العقيدة والفلسفة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن المراكبى والأستاذ الدكتور محمد حسينى الغزالى، وآخرون من ذوى القدر العلمى والمعرفى، أغلبهم شباب ينبئ بحيوية الأمة، ويرفع لديك مؤشر الأمل بقرب الإقلاع الحضارى واستعادة الدور الريادى فى عالم الثقافة والفكر.
* وجود هذه الشخصيات أعطى للمؤتمر قيمة عالمية بجانب قيمته المحلية.
* الإعداد للمؤتمر والتنسيق والتنفيذ والإشراف كان كله بالأيدى الناعمة وتحت إشراف الجنس الآخر، أى تحت إشراف المرأة السعودية، وفى مِنطقة تبعد عن العاصمة قرابة الأربعمائة كيلومتر تقريبًا.
* الأبحاث التى قُدِّمت كانت مساهمات المرأة فيها كثيرة، وشخّصت الأزمة العالمية والداء العضال الذى تعانيه مجتمعات العالم أجمع، ويقف حائلاً دون تحقيق الأمن والسلام العالميين، كما أنها كشفت عن عُمق الرؤية العلمية والفكرية، وما حققته المرأة السعودية فى عالم الثقافة والفكر، وكان المؤتمر ناجحًا وبامتياز.
* المسافة التى قطعتها فى الذهاب والعودة لهذا المؤتمر شاقة ومُضنية، فهى فى حساب السفر فقط ـ طيرانًا وانتظارًا ـ قرابة الستين ساعة، لكنك بعد خروجك من مطار الدمام، ولقائك بالإخوة والابتسامات التى تُستقبَل بها، والحفاوة والرعاية التى تتابعك وترعاك عن بُعد من الأخوات القائمات على المؤتمر تنسيك كل المشقة، وتشعرك أنك عدت لأخواتك وإخوانك وعائلتك بعد طول شوق وغياب.
* ابتسامة رئيس الجامعة د.عبد الله بن محمد الربيش حين يستقبلك، ورقة كلماته واهتمام نوابه د. عادل العفالق ود. باسم الشيخ بضيوفهم، كل ذلك يجعل شكواك من معاناة السفر لا معنى لها.
* متابعة العميدة د. مها بنت بكر بن عبد الله ود. نوال بنت مناور المطيرى رئيسة قسم الدراسات الإسلامية ود. مريم المغربى لضيوف المؤتمر، وحرصهن الكبير على إكرامهم وتلبية احتياجاتهم، والعبارات المهذبة واللغة الراقية والذوق الرفيع يجعلك فى خجل فلا تدرى ماذا تقول ؟.
* الشباب المكلفون بالتعامل مع ضيوف المؤتمر د. خالد الشهرى، ود. أحمد الطيار والأستاذ مالك بن عبد الله المجيدى والأستاذ معاذ المجيدى وغيرهم، كانوا نماذج للأدب العالى والذوق الرفيع وحُسن التصرف.
* فى المؤتمر كان للشاعر عبد الرحمن العشماوى أمسية أمتعت الحاضرين ولمست مشاعرهم، وشدَّت من عزائمهم ووضعتهم أمام مسؤوليتهم فى نهضة الأمة وإيقاظ روحها وحماية أملها القادم من رحم الغيب.
* الشاعر المبدع مَلَكَ ناصية الكلمة فكرًا ولفظًا وأداءً، وبجانب ذلك فالرجل من أهل الهِمم العالية ـ نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكى على الله أحدًا ـ يطالبه أصحابه وأحبابه وعشاق شعره أن يكتب غزلاً، وأن يقدم لقرائه ومستمعيه تغريدة حب، فيحاول الاستجابة بكتابة تغريدة، لكن مَلَكتَه الشعرية لم تطاوعه فى كل المحاولات، فخرجت بدل التغريدة تنهيدة، دمعت عيناى، وأنا أستمع إلى الرجل، وتذكرت ساعتها حبيبى وسيدى، صلى الله عليه وسلم، عندما كان شابًا قبل النبوة، وأراد أن يلهو كما يلهو أقرانه، واتفق مع صديق له أن يرعى الغنمات مكانه حتى يذهب للهو ويعود، فإذا بالنوم يغشاه، ولا يستيقظ إلا على حر الشمس، إنها نفوس الكبار، تعلو بهمة أصحابها، حين تكون الأمة جريحة، فتتعب الأجساد معها حتى فى الحصول على الترفيه البرىء أو اللهو المباح.
* قفز فى ذاكرتى، وأنا أتابع تلك الخواطر حكمة المتنبّى، حين قال:
وإذا كانت النفوسُ كِبارًا .. تعبت فى مرادِها الأجسامُ
* وأدركت ساعتها أن الشاعر عبد الرحمن العشماوى فيه جذوة قدسية المصدر، أرجو الله أن يحفظها له، وألا تنطفئ أبدًا.
* همست له بما أشعر به، وتذكَّرت ودموعى تملأ عينى قول العالِم والأديب الراحل المرحوم الدكتور محمد رجب البيومى:
سَمَوْنا للسماءِ فنازعتْنا ………..هواتفُنا إلى الأفقِ البعيدِ
ومَن عَشِقَ السماءَ فلا تلُمْه … إذا كَرِهَ النزولَ إلى الحضيضِ
* الشاعر الكبير قدمتْه فى الأمسية زميلة سعودية مثقفة، أدارت الحوار بكفاءة واقتدار، وكانت مداخلاتها وتعليقاتها الواعية تخبرك بشمولية ثقافتها وإدراكها لما يُطرَح من نظريات فى الساحة الأدبية محليًا وعالميًا.
* طريقة إدارة المؤتمر ومشاركة الباحثات السعوديات أظهرت أن الأنوثة والذكورة قسيمتان، تتكامل بهما الطبيعة الإنسانية التى كرمها الله، وأن الأنوثة فى أصلها ليست عيبًا، كما أن الذكورة ليست مَيْزة، وإنما العيب فى قصور الهمة وضعف العزيمة وتفضيل الكسل على النشاط والعمل، وإيثار الخمول على الحركة والعطاء فى كل من الجنسين معًا (الرجال والنساء).
* أمام القامات والهامات العاليات داخل مجتمع النساء السعودى فى مجال الثقافة والفكر ومجالات العلوم المختلفة التى تعرفنا عليها فى هذا المؤتمر، يتذكر الإنسان قول المتنبى مع الاعتذار عن التغيير فى شطر البيت الأول:
فلو أن النساءَ كمثل هذى …. لفُضلت النساءُ على الرجالِ
فما التأنيثُ لاسمِ الشمسِ عيبٌ …. ولا التذكيرُ فخرٌ للهلالِ
* من حق السعودية أن تفخر بأبنائها، بنات وبنين، ومن حق المنطقة الشرقية أن تعتز بأنها تحمل فى طابعها العام بساطة فى عزة، وتواضعًا فى كبرياء، واقتدارًا على تحمل مسئولية كبريات الأمور.
* الحرائر الكريمات فى المملكة من حقهن أن يفخرن، وأن تعلو هاماتهن أكثر، وأن يُعْرِضن عن لغو الادِّعاءات التى يُرجف بها مَن لا يريدون بالمرأة السعودية ولا بغيرها خيرًا، بينما ادّعاءاتهم يكذبها الواقع الذى رأيناه، وبخاصة من المشتركات والمشرفات على هذا المؤتمر، فقد كنا نسمع أصواتهن من القاعة الأخرى يشاركن فى الحوار بجدية، ويسهمن بفاعلية واعية فى توضيح الصورة وشرح المطلوب، وكان حوارهن يدخل بك إلى عمق الموضوع فى دقة وأدب، وكأن المتحدثة نجمة فى السماء، ينالك ضَوؤها، ولكن لا يدركها بصرك، ولا تصل إليها يَداك.
* فهل يدرك إخواننا الذين يتحدثون عن حقوق المرأة السعودية ويملؤون الأفق بدخان يحجب الرؤية ويزكم الأنوف، أن المرأة السعودية رشيدة وحرة فى عقلها وإرادتها، وفكرها وثقافتها واختياراتها، ولا تحتاج لوصاية أحد ليتحدث باسمها؟!
* وهل يدركون أيضًا أن حرية المرأة تبدأ من شىء فى الرأس اسمه "العقل"، وليس مِن خلع حيائها وحشمتها وعفافها فى ملابسها وقِيَمها؟!
* وهل يكفّون شرهم عنها ويتركونها لتعيش هانئة سعيدة فى مملكتين، إحداهما هنا على الأرض فى قلب الرجل، والأخرى هناك فى عالم الخلود والفِردوس الأعلى؟!
د. ابراهيم ابو محمد