|
أيها الرجال عددوا…!!
يشكل الأمن والطمأنينة مطلبًا أساسيًا وضرورة ملحة في حياة الأمم والمجتمعات تسعى إلى استجلابه وإشاعته بشتى الوسائل والسبل، وإذا كان الأمر كذلك في حياة الأمم القوية والشعوب القادرة، فأين هو يا ترى في حياة أسرة صغيرة، وقلب امرأة أسيرة ضعيفة تقبع في بيت الزوجية؟!
الكثير يعلم أن حياة الاستقرار والسعادة وإظهار المودة والمحبة ركائز مهمة وقواعد ضرورية تؤسس (بعد طاعة الله – عز وجل – واتباع أوامره) لإشاعة الأمن وبث الطمأنينة في دماء وعروق دوحة الأسرة المسلمة.
ومن أبشع صور الخوف وعدم الأمن ما نراه في واقع بعض الأزواج والذين انقلبت لديهم المفاهيم، وقصرت بهم الأفهام، فأمر التعدد في الإسلام مُسلَّم به، بل مندوب إليه لمن كانت لديه المقدرة وظن بنفسه العدل، ولكن أن يتحول هذا الأمر المباح إلى سوط عذاب يؤرق الزوجة المسكينة التي ابتليت بزوج قاصر فهذا هو الخوف بعينه وعدم الأمن في الحياة الزوجية.
وليس هذا هو الخوف الطبيعي عند الزوجة من قدوم ضرة لها فهذا معلوم عند النساء، ولكن أن يتحول التعدد إلى كابوس مخيف وشبح قادم ويتخذ منه وسيلة تهديد، وأداة ابتزاز، وكلمات إهانة واحتقار، فهذه مصيبة في حياة الأسرة المسلمة، ففي كل حركة وسكون يأتي صوت الزوج مهددًا ومتوعدًا، سأتزوج بأخرى، وإن كان رأى منها خطأ أو تقصيرًا أطلق التهديد بالزواج وكأنه يذبحها بهذه السكين كل يوم!
بل بعضهم في لحظات السكن والقرب يهمس في أذن زوجته: ما رأيك لو تزوجت بأخرى! والمطلعون على أسرار البيوت وخبايا الصدور يتحدثون أن نساء كثيرات يشربن من هذا المورد صباحًا ومساء، ولكن من البشائر للمرأة أن الذين يتهددون ويتوعدون لا يفعلون، إنما يعالجون نقصًا ويدفعون عجزًا ويرفعون رجولة مبطنة بهذه الأقوال.
وللأزواج إياهم… عددوا ولا تعذبوا، عددوا ما شرع لكم ولكن دون تهديد ووعيد.. فلك أن تعدد دون أن تقترف زوجتك خطأ، ولك أن تعدد دون أن يكون في زوجتك نقص، ولك أن تفعل ذلك مع حسن التبعل والكلمة الحانية والعشرة الطيبة، ولمن جانب الصواب في هذا الأمر الخطير وهدم منزلة وقطع قلب زوجته؛ أهدي له سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وحسن معاملته، فتأمل حال نبي هذه الأمة مع زوجاته ورفقه بهن وإدخال السرور عليهن، وقد عهد إلينا بوصايا عظيمة في حسن المعاملة والرفق واللطف ومراعاة المشاعر.
فكن أيها الرجل الفاضل ممن عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله كما روى ذلك الترمذي: «أكمل المؤمنين إيمانًآ أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم».
فدعها أيها الزوج آمنة مطمئنة حتى وإن نويت أو عزمت على التعدد، وكن من عقلاء القوم وكرامهم عند التعدد وقبله، وأعلم أنك لا تنازع في أمر نزل من السماء!
وللزوجة… تأملي قلة هذا الأمن وفقدان الطمأنينة في محيط أسرتك الصغير وكيف تقلب لك الحياة رأسًا على عقب، فما بالك بالأمن من منظور أشمل وأوسع، فقد تحدث الله – عز وجل – عن الأمن وفقدانه بشكل مخيف ومفزع؛ وذلك لمن عصاه وخالف أمره فجعله لباسًا لا يفارق الجسد.
وهذه سنته الكونية لمن تنكب عن الصراط المستقيم: ﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112].
وجعل الجنة والأمن لمن أطاعه واتبع أوامره: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82].
أقر الله الأعين بصلاح الأزواج والزوجات، وضاعف الأجر والمثوبة للصابرات المحتسبات!([1]).
* * *
([1]) نشرت في مجلة الأسرة العدد (68) ذو القعدة 1419هـ.
بقلم الشيخ: عبدالملك القاسم وفقه الله.
جزاكِ الله خيرا حبيبتي